كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
صحيح أنّ الطابع الاجتماعي غلب نسبياً على مجريات زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند لقصر المختارة أمس، في حضور حشد من المدعوّين، إلّا أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بدا حريصاً في الوقت نفسه على منحها المقدار الكافي من الرمزية السياسية، ربطاً بالمواقف التي سبق أن اتّخذها هولاند عندما كان في سدة الرئاسة الفرنسية.
ازدحم الطريق المؤدي الى المختارة بيافطات الترحيب بهولاند، والتي توزعت بين اللغتين الفرنسية والعربية، فيما كانت عناصر من قوى الامن الداخلي وأخرى من «الحزب التقدمي الاشتراكي» تنتشر عند النقاط الاساسية على طول الطريق. ويبدو انّ اليافطات المعلقة لفتت انتباه بعض السيّاح الفرنسيين الذين كانوا يتجولون في منطقة الشوف، فحولوا اتجاه سيرهم نحو المختارة للمشاركة في استقبال رئيسهم السابق، وكان لهم ما أرادوا.
امام مدخل القصر تولت عناصر «اشتراكية» تقديم الارشادات الى المدعوين، أما في «العمق» فأُنيطت مهمة التنظيم بعدد من كوادر الحزب وقياداته، بينما راح جنبلاط يُشرف في الباحة الرئيسة على اكتمال اللمسات الاخيرة على التحضيرات المتعلقة بالمناسبة. قبل ساعة تقريباً من حضور هولاند، شوهد جنبلاط وهو يروح ويجيء مدقّقا في بعض التفاصيل اللوجستية بعدما وضع على رأسه قبعة سوداء، تحسبا للمطر الذي بدأ يهطل متفرقاً ومتقطعاً في المكان، حيث ارتفعت خيمة كبيرة احتمى تحتها المدعوون من التقلبات المناخية.
ولئن كان جنبلاط قد اعتبر في كلمته انه دخل في «شتاء العمر»، إلّا أنّ اكثر ما كان يشغل باله في تلك اللحظة هو شتاء الطبيعة، خصوصاً ان الاحتفال على شرف ضيفه الفرنسي يُقام في الهواء الطلق. حاول جنبلاط ان يلجم قلقه من الاشارات المناخية السلبية التي حملتها معها السحب الداكنة و»رشقات» المطر، غير أن أعصابه المشدودة كانت تبوح أحياناً بما يخفيه.
والمفارقة، ان جنبلاط واظب منذ بداية الاسبوع على سؤال المعنيين بتنظيم الاحتفال مراراً وتكراراً: «شو أخبار الطقس الخميس.. ما هي التوقعات؟» فكانوا يطمئنونه بعد الاستعانة بضمانات «غوغل» الى ان الطقس سيكون جيداً، «ولا داعي للقلق يا بيك». لكن حسابات حقل «غوغل» لم تنطبق بدقة على بيدر المختارة، ما دفع أحد ظرفاء «الحزب التقدمي الاشتراكي» الى التعليق بالقول: «مصلحة الارصاد الجوية في الحزب لم تُصب في تقديراتها هذه المرة»..
إلا ان القدر شاء ان يخفف من قسوة لعبته ووطأة مزاجيته في اللحظات الحاسمة. ما ان انتهى جنبلاط وهولاند من القاء كلمتيهما وطُلب من الحضور الانتقال الى داخل القصر، حيث إمتد «بوفيه» الغداء، حتى انهمر المطر بغزارة، فما كان من أحد مؤيدي جنبلاط إلاّ ان التقط اللحظة على طريقته وطوّعها لعواطفه، قائلاً: «كل شيء محسوب في المختارة!».
وخلال تجوال هولاند في ارجاء القصر، أحاط به الضيوف اللبنانيون الذين راح بعضهم يلتقط صور «السيلفي» معه، قبل ان يأخذ الرجل مكانه حول طاولة الطعام في إحدى الغرف «الدافئة» التي يفوح منها عبق التاريخ والتراث، ويمتزج فيها الخشب العتيق بالحجارة القديمة. وجلس الى جانب الزائر الفرنسي جنبلاط مجموعة من المدعوين الذين توزعوا بين «متقاعدي» 14 آذار، ومسؤولين سابقين، ورؤساء أحزاب ووزراء ونواب ورجال دين. وكان واضحا اعجاب هولاند بالمأكولات اللبنانية، كما تبيّن من «إقباله» عليها، في وقت تولت السيدة نورا جنبلاط تأدية دور «المرشد الغذائي»، خصوصاً بالنسبة الى من يحرصون على عدم زيادة الوزن. ولم تكن الحلويات أقل «نفوذا»، إذ انها استقطبت بتنوعها ومكوناتها الضيف الفرنسي والمدعوين اللبنانيين، فيما تبرعت السيدة نورا بتقديم شروحات عنها لمن يهمه الامر، لافتة انتباه بعض السيدات الى أن السعرات الحرارية في تلك الحلويات ليست مرتفعة.
وعندما يسأل أحدهم عن سر الجودة في هذه الحلوى، يأتيه الجواب ممزوجا بنكهة سياسية: «انت هنا، في قصر المختارة.. لا أحد يتجرّأ على أن يغش أو يتلاعب بالجودة».
على بُعد أمتار من أطباق الحلوى، كان يقف أحد الوزراء موحياً بمرارة ما. تستفسر منه عن رأيه في الانتفاضة المفاجئة لكل القوى السياسية، بلا إستثناء، على الفساد والفاسدين، فيبتسم قائلاً: «لقد اكتشفت بعد انتظار ان كائنات فضائية هي التي تقف وراء تفشي الفساد في لبنان وتتسبب به، أما السياسيون فتبيّن انهم جميعاً من الملائكة».. ويضيف بعدما استعاد جديته: «هل تصدق حقاً هذه الحملة على الفساد؟ انها مجرد موجة عابرة»..