في لبنان تنحصر صلاحية تفسير الدستور في مجلس النواب، وتنحصر مسألة البحث في دستورية القوانين بالمجلس الدستوري، ويبقى السؤال من هي الجهة الصالحة كي تحدد ما إذا كان المسؤولون قد ارتكبوا مخالفات دستورية؟
قد يقول البعض إن مجلس النواب هو الجهة الصالحة لتحديد ما إذا كان هناك من خرق للدستور أو مخالفات دستورية، ولكن مجلساً نيابياً على شاكلة المجلس الموجود حالياً لا يمكن له أن يصل إلى نتيجة في هذا الموضوع، لأن كل تهمة أو تحقيق من طرف ستقابله تهمة أخرى وتحقيق آخر من طرف آخر، ولذلك ستبقى الأمور في دوامة مفرغة تنتهي بضبضة الملفات.
واذا كان البت في أن المخالفات دستورية هو من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فهو في الحقيقة مجلس غير قادر حتى على الانعقاد في ظل نظامه الحالي، وليس في الأفق ما يشير إلى أن تعديلا سيطرأ على نظام هذا المجلس يخرجه من صفة الشكلية إلى صفة العملية.
وإذا كان الأمر منوطا بهيئات الرقابة، ولا سيما ديوان المحاسبة، فإن مرجعها في النهاية سيكون في مجلس النواب أو في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وبالتالي ستعود الأمور لتغرق في الحسابات السياسية والطائفة.
ما ينقصنا في لبنان، ليس فقط على صعيد المخالفات الدستورية بل على صعيد كل صنوف المخالفات وخرق القوانين والدستور، هو ثقافة المحاسبة، ثقافة ليست موجودة في البداية عند الشعب اللبناني، وبالتالي ليست موجودة عند زعمائه ومسؤوليه الذين ينامون على حرير تقاعس الناس وفشل وعجز المؤسسات، فيطبلون ويزمرون لمكافحة فساد لن تشكل سوى عنوانا لتطال بعض صغار الفاسدين، أما الكبار فهم كامرأة قصير فوق الشبهات، وفي لبنان ليس لقيصر من امرأة واحدة بل هم يعدون بالمئات.