Site icon IMLebanon

إستفاقة واشنطن اللبنانية متأخرة: الطبيعة تكره الفراغ!

كتب أنطوان الأسمر في صحيفة “اللواء”:

ترمي الاستفاقة الأميركية – الأوروبية في لبنان الى محاولة ملء الفراغ الذي تسببت به واشنطن على وجه التحديد، يوم قررت إخراج نفسها بذريعة مقاطعة العهد الرئاسي الجديد.

تنسحب تماما حكمة أرسطو «الطبيعة تكره الفراغ» على تجليات السياسة الخارجية للإدارة الجمهورية (جورج بوش الإبن ثم دونالد ترامب)، منذ أن قررت فجأة الانسحاب من العراق لتترك الساحة مشرّعة للنفوذ الإيراني. ويظهر أن تكرار هذا الخطأ الأميركي بات لازمةً جمهوريةً، من العراق فسوريا (الحضور العسكري والتأثير السياسي) الى لبنان (التأثير السياسي).

سبق لإدارة ترامب أن إستخدمت سياسة التصاعد في استخدام العقوبات والتحقيقات الجنائية، بغية تكثيف الضغط على ما تعتبره شبكات التهديد العالمي التابعة لحزب الله. وأعطت الأولوية لمبادرات الحرب المالية المصممة لتعطيل الشبكات الموصوفة اميركيا بغير المشروعة والتي تقول واشنطن انها تغسل مئات الملايين من الدولارات في كل عام. لكنها في الموازاة سعت الى فصل الطوق على حزب الله عن سياستها العامة تجاه لبنان، لاعتقادها ان هذا هو السبيل الوحيد لحماية استقراره، فواصلت دعمها المالي والسياسي لما تسميه «مؤسسات الدولة»، وهي تقصد خصوصا الجيش اللبناني.

كما سعت الى تعزيز ولاية قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) في محاولة لتقييد أنشطة حزب الله جنوبا. وهي في الوقت ذاته، ضنا بالاستقرار، لم تطلب من الحكومة والجيش اتخاذ أي إجراءات ذات مغزى ضد حزب الله، بل ركّزت بدلا من ذلك على أهمية امتثال لبنان لكل ما بنتْهُ من سياسات (عقابية وزجرية) حيال القطاع المصرفي، وفي اعتقادها ان تجفيف الدعم المالي لـ«حزب الله» احد أهم سبل تقويضه، وتاليا تقويض نفوذه.

ما يحصل راهنا أن مراجعة أجرتها إدارة ترامب أفضت الى أن سياسة التطويق المالي – السياسي لم تفعل كل فعلها بعد، وأنه لا بد من أن تلاقيها دينامية على مستوى حلفائها في لبنان. لذا إنطلقت واشنطن صوب ضرورة ان تعيد شحذ أذرعتها المحلية، بالتوازي مع تشديد حملتها على حزب الله، بعدما باتت على يقين بتهاوي نفوذ حلفائها، واعتقادها في الوقت عينه أن هذا النفوذ الذي غذّته بين العامين 2005 و2011 إنتقل دراماتيكيا الى تحالف التيار الوطني الحر – «حزب الله»، من غير ان تخفي خشيتها من أن مسار الأمور قد يؤول الى أن يضع حزب الله يده على السلطة، وهو ما ظهّرته المحادثات التي أجراها في بيروت ديفيد ساترفيلد، وما سيكرره وزير الخارجية مايك بومبيو في زيارته المرتقبة.

ما يظهر حتى الآن أن سعد الحريري مانع الانجراف في السياق الأميركي. فتيار «المستقبل» لم ير جديدا في التحذيرات الأميركية التي حملها ساترفيلد، وخصوصا حيال إمكان أن يستغل حزب الله وجوده السلطوي ومناصبه الحكومية لتأمين تمويل ذاتي يعوّض عن النقص الحاصل إزاء تراجع الدعم الإيراني. يعتبر «المستقبل» ان التحذيرات هذه روتينية وسابقة لتشكيل الحكومة.

أما وليد جنبلاط فلم يبدِ رغبة في ملاقاة السياسة الأميركية، فتقصّد ان يوجز نتيجة لقائه بساترفيلد بعبارة مقتضبة اقتصرت على موضوعي النازحين (ما سماه حمايتهم من عودة قسرية بلا ضمانات) والإصلاح (ابتداء من الكهرباء)، من غير ان يتطرق الى الشق السياسي، وهو بالتأكيد أخذ الطابع الغالب في اللقاء.

وحدها القوات اللبنانية أظهرت تجاوبا مع الضغط الأميركي، علما أن خطابها التصعيدي ضد حزب الله سابق لزيارة ساترفيلد. لكنها في الموازاة وجدت نفسها مضطرة لتبرير سبب انخراطها في حكومة/سلطة يسوَّق أميركيا وأوروبيا أنها خاضعة بمجملها لسطوة حزب الله.

لذا  من المتوقع ان تشتدّ معارضة القوات داخل الحكومة في سعيها الى إثبات انها ليست حكومة حزب الله، وهو امر قد يؤدي الى مناوشات شبيهة بتلك التي لجأت إليها في الحكومة السابقة بغية كسب الرأي العام عشية الانتخابات النيابية، وهي الممارسات التي انتفض عليها التيار الوطني الحر في تلك الفترة، وأدت فيما أدت الى تعطيل تفاهم معراب في شقه السياسي – التقني – الاداري، ما عدا التصالحي.