بعد مكابرة طوال أشهر برفض الاعتراف بأي تأثير للعقوبات الأميركية على “حزب الله”، ليس تفصيلاً أن يتحدث الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن الضائقة المالية التي يعاني منها الحزب، ويدعو إلى “الجهاد بالمال عبر قجّة المقاومة”، معلناً عن الحاجة إلى “التعاطف من جديد”!
إنطلاقاً مما سبق يمكن فهم محاولات “حزب الله” الحثيثة لـ”تبييض صورته” أمام اللبنانيين عموماً وأبناء بيئته خصوصاً، فهو يحتاج إلى التبرعات في مقابل وعوده بمحاربة الفساد والفاسدين، وهو يحتاج إلى “الجهاد بالمال” في مقابل محاولات تعويض مناصريه عن التراجع في الرواتب والأجور عبر تأمين الخدمات عبر مؤسسات الدولة اللبنانية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة الصحة التي ستكون أساسية في تقديم الخدمات لجرحى الحزب ومصابيه، وخصوصاً نتيجة الحرب في سوريا.
مشكلة السيد نصرالله الأساسية أنه استفاق متأخراً جداً للاستغاثة وطلب “التعاطف” أولاً، وللحديث عن مكافحة الفساد ثانياً. فالتعاطف مع “حزب الله” بات مستحيلاً منذ “التبليط” في ساحة رياض الصلح في كانون الأول 2006، مروراً باجتياح بيروت والجبل في 7 أيار 2008 والقمصان السود في كانون الثاني 2011، ومروراً أيضاً بكل سلسلة الاغتيالات التي في عمق اقتناع شريحة كبيرة من اللبنانيين أن الحزب يقف وراءها، وليس انتهاءً بمشاركة “حزب الله” بالحرب السورية وبالحروب في المنطقة وبالتطاول الدائم على دول الخليج العربي وفي طليعتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. التعاطف بعد كل ذلك يا سيد بات أمراً مستحيلاً!
أما بالنسبة إلى الحديث عن محاربة الفساد، فكان الأولى بالسيد نصرالله أن يبدأ من بيئته حيث الكثير من الفاسدين والمرتكبين الذين يسرقون المال العام عملياً وحقوق الخزينة اللبنانية، بدءًا من خط التهرّب الجمركي في المرفأ والمطار وعلى طول الحدود البرية، مروراً بغض النظر عن فساد حلفائه والملفات معروفة بامتياز، وليس انتهاءً بالإصرار على أن يفرض “لاءاته” في الحياة الدستورية والسياسية اللبنانية، سواءً في الانتخابات الرئاسية أو في تشكيل الحكومات وغيرها، وصولاً إلى ما شهدناه مؤخراً من فيتوات في موضوع التعيينات العسكرية على سبيل المثال لا الحصر، وخصوصاً أن “حزب الله” لا يمارس العمل السياسي بهذا المعنى بل يستند إلى “سطوة” سلاحه ليفرض شروطه، وفي الخلاصة فإن محاربة الفساد المالي والإداري يستحيل من دون محاسبة الفساد السياسي ومحاولات الإطاحة بالدستور وفرض منطق الدويلة على الدولة!
تبقى نقطة أساس وتتعلق بدعوة من يتهمهم “حزب الله” بالفساد إلى اللجوء إلى القضاء لتبرئة ساحتهم، وهي نقطة مثيرة بالفعل من حزب رفض دائماً أن يكون تحت القانون وينصاع للقضاء اللبناني، وقضية المتهم بمحاولة اغتيال الوزير السابق بطرس حرب، المدعو محمود الحايك لا تزال ماثلة أمام الأذهان وكيف رفض الحزب تسليمه للقضاء وعمل على إخفائه، تماماً كما رفض التعاون مع المحكمة الدولية التي يتعاون معها القضاء اللبناني ويشارك فيها قضاة لبنانيون، وكما عمل أيضاً على إخراج اللواء جميل السيد من مطار بيروت بعراضة شبه مسلحة منعاً لتوقيفه بناء على مذكرة قضائية.
قد تكون مشكلة السيد نصرالله باختصار أن ذاكرته ضعيفة، وينسى أننا في عصر “غوغل” حيث أرشيف ما ارتكبته يداه ومواقفه في متناول جميع اللبنانيين، وينسى أن أسلوب غوبلز الدعائي على طريقة “أكذب، أكذب، أكذب، فلا بد أن يعلق شيئاً في أذهان الناس” لم يعد صالحاً في القرن الواحد والعشرين!