عاد الخلاف اللبناني الداخلي على أزمة النزوح السوري إلى الواجهة أمس، من باب تشكيلة الوفد اللبناني الرسمي إلى مؤتمر بروكسيل الثالث حول سورية والنازحين السوريين، الذي ينعقد الأربعاء المقبل على مدى يومين والذي ينظمه الاتحاد الأوروبي بمشاركة الأمم المتحدة ومنظماتها والدول العربية والدول المانحة، لمساعدة الدول المضيفة للنازحين على مواجهة أعباء تدفق ملايين السوريين إلى دول الجوار منذ 2011 .
وتجدد هذا الخلاف أمس بين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريق رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يترأس الوفد اللبناني إلى المؤتمر ويرافقه إليه وزيرا التربية أكرم شهيب والشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، وعدد من مستشاري رئيس الحكومة المعنيين بالملف، ما دفع وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب المحسوب على فريق الرئيس عون وحلفاء دمشق، إلى الاحتجاج على عدم ضمه إلى الوفد، فأيده في موقفه وزير الدولة لشؤون الرئاسة الأولى سليم جريصاتي، بينما قال مستشارو الحريري إن الدعوات وجهت من قبل الاتحاد الأوروبي إلى المؤتمر، للوزيرين شهيب وقيومجيان.
ويدور الخلاف بين الجانبين على خيار التواصل مع الحكومة السورية لتسريع عودة النازحين إلى بلدهم من دون انتظار الحل السياسي، كما يقول فريق عون الذي يؤيده “حزب الله” وحركة “أمل” وقوى 8 آذار، بينما يعتبر فريق الحريري الذي يؤيده حزب “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، أن إعادة النازحين يجب أن تتم بالتعاون مع المجتمع الدولي وروسيا، ويجب عدم الانزلاق إلى حجة إعادة النازحين من أجل التطبيع مع النظام السوري الذي لا يريد إعادتهم، فضلا عن أن القرار العربي بإعادة سوريا إلى الجامعة لا يبدو ناضجا حتى الآن، بحسب ما تبلغ لبنان. وهذا ما يستدعي انتظار موقف الدول العربية قبل البحث بالانفتاح على النظام في دمشق، والإبقاء على قنوات التواصل محصورة بجهاز الأمن العام اللبناني، كما هو حاصل حتى الآن.
وأعلن الوزير الغريب، في بيان، أنه “منذ تولينا لمهامنا في الوزارة، سعينا الى الانفتاح على الجميع في الداخل قبل الخارج، وتقصدنا خلق إجماع وطني حول ملف النازحين، كونه بنظرنا ملف انساني ووطني بامتياز، وكررنا تمنينا بسحبه من التجاذبات السياسية، الا أنه يبدو أن هنالك من أصر على التغريد خارج السرب”.
وأسف “لتوجه بعض القوى السياسية بغير المنحى المأمول منها وطنيا، حيث نرى أن هناك إصرارا على العودة إلى سياسة الحكومة السابقة في ملف النازحين، وتجاوزاً لجميع الأصول والأعراف في الدعوة إلى مؤتمر بروكسل”.
وتابع: “إن تجاوز دور وزارة الدولة لشؤون النازحين في مؤتمر بروكسل، هو ليس تجاوزا لشخصنا، بل لطريقة التفكير المغايرة والمقاربة الجدية التي ننتهجها في معالجة هذا الملف بغية تحقيق العودة، وهذا ما لن نسمح به إطلاقا”.
وقال إنه حرص “على ضرورة توحيد الموقف الوطني تجاه هذه القضية الكيانية وغير العنصرية، وعلى ضرورة تحقيق العودة الآمنة، وترجمنا هذا الحرص بعدم تجاوزنا المعنيين قيد أنملة في زيارتنا الأولى إلى سورية، والمعنيون معروفون من الجميع، لكن للأسف يبدو أن البعض لا يروق له ذلك، إما نزولا عند رغبة بعض الأطراف الخارجية بشق الموقف الوطني الموحد، وإما تغليبا لبعض المصالح المشبوهة الضيقة أو الإثنين معا”.
وقال الوزير جريصاتي تأييدا للغريب: “طالما أن رئيس الحكومة هو الناطق باسم الحكومة وأن مفوضية اللاجئين تتجه، على ما صرح به (مفوض شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فيليبو) غراندي، أكثر فأكثر إلى الداخل السوري لمساعدة النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم، وبانتظار إقرار الحكومة الورقة السياسية للنزوح، لم نفهم استبعاد وزير الدولة لشؤون النازحين من الوفد الرسمي إلى مؤتمر بروكسل. إن التنكر لاختصاصات الوزراء المعنيين هو أمر لا يساعد في شيء في تضامن الحكومة والنتاج المنتظر منها”.
وأوضح مقربون من الحريري “للبعض أن الوزيرين المسافرين (الشؤون والتربية) إلى مؤتمر بروكسيل مدعوان مباشرة من الاتحاد الأوروبي للمشاركة في حوارات قبل يوم من زيارة الرئيس الحريري. أما الدعوة إلى المؤتمر فقد وجهت إلى الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل فقط”. وأفادت مصادر رسمية بأن باسيل اعتذر عن عدم الحضور لارتباطات أخرى.
وقالت مصادر معنية بمسألة النازحين لـ”الحياة” إن الضجة التي يثيرها البعض في هذا الشأن لا لزوم لها لا سيما أن حضور الوزير قيومجيان يعود إلى أنه صاحب اختصاص أيضا، ولأن وزارة الشؤون الاجتماعية سبق أن كانت لها مساهمة أساسية في خطة الاستجابة لأزمة النزوح عام 2017 التي طرحها لبنان على مؤتمر بروكسيل الأول، وأن وزارة التربية تعنى بجانب أساسي يتعلق بتعليم الأطفال النازحين. كما أن الحريري سيطرح في كلمته أمام المؤتمر مسألة عدم الإيفاء بتحويل المساعدات كافة للبنان عن 2018، وسيطالب بتخصيص مبلغ بليوني دولار للنازحين في لبنان وللمجتمعات المضيفة التي تحتاج مناطقها إلى تأهيل جوانب مهمة من البنية التحتية التي تراجعت مقدرتها على تلبية ما يحتاجه اللبنانيون، بفعل التزايد السكاني الذي نجم عن النزوح السوري.
وكانت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء قبل أكثر من أسبوعين شهدت نقاشا بين وجهتي نظر الفريقين، إثر زيارة قام بها الوزير الغريب إلى سورية في شكل منفرد، اعترض عليها وزراء من “القوات اللبنانية”، تيار “المستقبل”، و”الحزب الاشتراكي”، لكن عون ووزراء “حزب الله” و”أمل” دافعوا عن الزيارة وأكد الرئيس عون أن الرئيس السوري بشار الأسد يريد عودة النازحين وأقفل النقاش في هذا الشأن ورفع جلسة مجلس الوزراء.
وينتظر أن يكون موضوع إعادة النازحين إلى سورية مدار بحث خلال الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، قبل آخر الأسبوع الحالي.