500 موظف يقبضون رواتبهم من شركتي الخلوي من دون أن يعملوا. تلك كانت إحدى الفضائح التي كُشفت في لجنة المال الاثنين. الجلسة افتتحت بمسألة التوظيف غير القانوني وانتهت بفتح كل ملفات الهدر المنظَّم في قطاع الاتصالات
من باب التوظيف في القطاع العام، دخلت لجنة المال الاثنين إلى مغارة قطاع الاتصالات. صحيح أن وزير الاتصالات محمد شقير ورئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية أقرّا بما ورد في تقرير التفتيش المركزي عن توظيف 453 شخصاً في «أوجيرو» و54 موظفاً في الوزارة بعد قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي منع التوظيف في إدارات الدولة ومؤسساتها، إلا أن هذا الملف بدا الأقل أهمية بالنظر إلى ما فُتح من ملفات في الجلسة.
الفضيحة كانت بعناوين عديدة، لكن أبرزها كان ما تكشّف عن وجود 500 موظف موزعين على شركتي الخلوي يقبضون رواتبهم من دون القيام بأي عمل. فهؤلاء لم يوظفوا لحاجة الشركتين لهم، بل لأن وزراء الاتصالات المتعاقبين طلبوا توظيفهم. أقرّ شقير بوجود هؤلاء أيضاً، معلناً أنه يدرس ملفاتهم قبل اتخاذ القرار بشأنهم. اللافت أن أحد الحلول التي طرحها، بعدما ناقشها مع وزير المالية، على ما أكد، كان إعادة توزيع هؤلاء على الوزارات، بحسب الحاجة. بأيّ سند قانوني يوزّعون، وهل الدولة ملزمة بإيجاد البديل لهم، ما داموا يعملون في شركتين خاصتين، وليس في إدارة رسمية؟ تلك أسئلة طرحت في الجلسة، وكانت كافية ليرفض أعضاء اللجنة أيّ حل من هذا النوع، ولا سيما في ضوء الحاجة لمباريات وقوانين يجب أن تطبق.
من قضية التوظيف، انتقلت الجلسة لتأخذ منحىً رقابياً أوسع، بفضل مداخلتَي النائبين جهاد الصمد وحسن فضل الله تحديداً. الصمد نزل إلى الجلسة بملف دسم يتعلق بالتلزيمات والتنفيعات والخسائر التي أنتجها التوظيف السياسي. وفضل الله ذهب إلى تشريح ملف خبره على مدى عشر سنوات من رئاسته لجنة الاتصالات، منطلقاً من التوظيف إلى كل الإنفاق الذي يجري من خارج الأطر القانونية.
أصرّ الصمد على أن عدد المياومين الذين انضموا إلى الهيئة في العامين 2017 و2018 يبلغ 1360 مياوماً، وقال إن كلفة رواتبهم ارتفعت من 137 مليار ليرة في عام 2016، إلى 327 مليار ليرة في عام 2018، أي بزيادة 140 بالمئة. أما النتيجة، فكانت انخفاض تحويلات وزارة الاتصالات إلى وزارة المالية في عام 2018 ما يعادل 39 بالمئة (حسب المدير العامة للمالية العامة ألان بيفاني)، أي نحو 500 مليون دولار. وهذا لا يعود فقط إلى زيادة التوظيف أو زيادة كلفة سلسلة الرتب والرواتب، بل إلى الإنفاق العشوائي والعقود التي وُقّعت من دون مناقصات.
على سبيل المثال، تبين أن الوزير السابق للاتصالات، جمال الجراح، تعاقد مع شركة متخصصة بالأمن السيبيراني لحماية الشبكة بكلفة بلغت 150 مليون دولار. لماذا اختيرت هذه الشركة تحديداً؟ ووفق أي مناقصة وأي دفتر شروط حصلت الشركة على هذا المبلغ الضخم؟
أراد الوزير الحالي أن يبدي حسن النية، فتعهد بأن تُجرى المناقصات في الوزارة، لا في أوجيرو أو في شركتي الخلوي. بدا ذلك اقتراحاً لا يعبّر عن طموح أعضاء اللجنة المطالبين بمناقصات شفافة. شقير تعهد أيضاً بخفض قيمة عقود الرعاية الإعلانية إلى 6 ملايين دولار بعدما وصلت في عام 2018 إلى 20 مليون دولار (من ضمنها حقوق بث كأس العالم). 6 ملايين ليس مبلغاًَ بسيطاً أيضاً، علماً أن هذه العقود لا تكون لأسباب تجارية بحت، فشرطها الأساس هو المصالح السياسية وإشارة الوزير. كل ذلك يجري، فيما الشركات لا تملك سوى الموافقة على طلبات الوزراء خوفاً من أن يكون العقاب طردها من جنة إدارة القطاع.
رداً على طرح فضل الله لمسألة شركات الخدمات المضافة (VAS) التي تتعاقد مع شركتي الخلوي لتقاسمها مبالغ كان يمكنها أن تعود للدولة، أعلن شقير أنه يدرس المسألة كما يدرس مردوها على الخزينة. كذلك أشار إلى أنه بصدد الإعداد لقرار يخفض إيجار أماكن تثبيت أبراج الإرسال بنسبة 25 في المئة.
قبل ذلك سأل فضل الله عن أسباب تعطيل مجلس الخدمة المدنية. قال إن هذه الخطوة أدت إلى ما وصلت إليه مسألة التوظيف. سأل: لماذا لا يكون التوظيف عبر المجلس، ولماذا تعطيل نتائج المباريات التي أجراها، ومنها مأمورو الأحراج والمحاسبون، وكذلك أمناء الصندوق في أوجيرو؟
ووعد رئيس اللجنة إبراهيم كنعان بأن تحقق اللجنة في كل المناقصات وتضارب مصالح، بعد أن تأتي الأجوبة الكاملة على كل ما طرح بدءاً من الأسبوع المقبل.