لم تحجب الضجة المثارة في الداخل حيال استثناء وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، من الوفد اللبناني الرسمي الذي سيشارك في مؤتمر بروكسل-3 لـ”دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، حقيقةَ ان “الاتحاد الاوروبي”، راعي ومنظّم المؤتمر العتيد، هو مَن لم يوجّه اي دعوات الى الوزير المذكور ولا الى وزير الصحة جميل جبق، لحضوره، وقرّر حصر الدعوات برئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري التربية أكرم شهيب والشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، مع العلم انه وفي النسختين السابقتين للمنتدى الدولي العتيد، كانت دعوة “الاتحاد” تشمل الوزارتين اللتين كان يشغلهما آنذاك، غسان حاصباني (صحة) ومعين المرعبي (وزارة شؤون النازحين).
فلماذا بدّل “الأوروبي” سلوكه هذه المرة؟ الامر يجب الا يكون مفاجئا. فوفق ما تقول مصادر سياسية لـ”المركزية”، كان المجتمع الدولي واضحا في أنه سيتعاطى مع بيروت “وفق خياراتها السياسية”، وهذا الموقف قاله “علنا” مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد في زيارته لبنان منذ ايام، في حين يردده “ملطّفا”، أكثرُ من دبلوماسي غربي واوروبي امام المسؤولين اللبنانيين.
الكلام الدولي هذا، معناه ان على لبنان ان يختار “موقعه” على الخريطة السياسية العالمية وأن سيتعين عليه تاليا، تحمّل تبعات قراره. وفي حين تدرك بيروت ان “حزب الله” يُعدّ في الحسابات الخارجية الغربية، فريقا “سجاليا” ومثيرا للجدل، فعليها توقُع ان تتحاشى هذه الجهات اي تعاط مع “الحزب” ومع الوزارات التي يشغلها مقربون منه. فكيف إن كانت الحال دعوته الى مؤتمر دولي تشارك فيه دولٌ تعتبر الحزبَ، بجناحية السياسي والعسكري، ارهابيا؟ والامر نفسه ينطبق على مَن يدورون في فلك الحزب ومحوره الاقليمي، من حيث توجّهاتهم السياسية. وهذا ما يفسّر عدم دعوة الغريب المؤيد لدمشق، الى بروكسل.
الغرب اذًا حذّر، وها هو اليوم يترجم تحذيراته “عمليا”، تضيف المصادر. وهذا الواقع، يتوّقّع ان ينحسب ايضا على الإنذارات الاقتصادية الكثيرة التي وصلت الى بيروت. فالدول المانحة لا تنفك تكرر ان على حكومة لبنان اطلاق ورشة اصلاحية كبيرة، وتنفيذ الالتزامات التي تعهّد بها في مؤتمر “سيدر” العام الماضي. وهذا تحديدا، ما أبلغه السفير المكلف متابعة “سيدر” بيار دوكين، وساترفيلد ايضا، للبنانيين، “والا فإن المساعدات الموعودة قد تطير”. والحال، أن المجتمع الدولي يمهل اليوم مجلس الوزراء الوليد، فترة سماح تمتد الى ايار المقبل كحدّ أقصى، لرؤية خطوات اصلاحية “ملموسة” تدل الى ان بيروت عازمة، جديًّا، على الخروج من مستنقع “العجز” و”المديونية” و”الفساد” الذي تتخبط فيه منذ سنوات، وسلوك درب “النهوض” و”النمو”.
وفي وقت لمس دبلوماسيون غربيون في الاسابيع الماضية، ان ثمة “خفّة” في التعاطي اللبناني مع الملف الاقتصادي، وان لا خطط او مقاربات موحّدة لكيفية وضع قطار الاصلاح على السكة، تقول المصادر ان تداعيات هذا السلوك ستكون “وخيمة”. فكما حاسب الغرب لبنان وسيحاسبه على خياراته السياسية، سيحاسبه ايضا على ادائه الاقتصادي – المالي. وكما ترجم تحذيراته في السياسة، فإنه سيترجمها في المساعدات والاستثمارات، التي ستذهب مع الريح اذا ما انقضت فترة السماح التي اعطيت للبنان دونما اصلاحات حقيقية.
وعليه، تسأل المصادر “هل يتّعظ القيمون على قيادة البلاد، ام يمضون في المغامرة الخطيرة حتى النهاية، ويختبرون “الصبر” الدولي مجددا؟