Site icon IMLebanon

“الشراكة” بين الدولة والقطاع الخاص: فرنسا تصدّر لنا بضاعتها الفاسدة

كتب صباح أيوب في “الاخبار”:

«موضة» السياسات الاقتصادية في لبنان تُسمى، حالياً، «الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص». هي «موضة» عالمية تُقدّم كوصفة لحل الأزمات الاقتصادية، خصوصاً في الدول النامية. وفي لبنان، يحملها القيمون على تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» كشرط لازم للحصول على الأموال. أكثر المتمسكين بهذا الشرط هي الدولة الفرنسية. تبشّر بـ«الشراكة»، فيما دول الاتحاد الأرووبي تشهد «ردّة» عنها، واستعادةَ القطاع العام لإدارة مشاريع الخدمات الأساسية للسكان. في أوروبا – فرنسا وألمانيا بالدرجة الأولى – تتعرّض «الشراكة» لهجوم حاد، نظرياً وعملياً، من زاوية عدم جواز المخاطرة بتسليم «حقوق الناس» (المياه، الطاقة، إدارة النفايات…) إلى شركات لا تبغي سوى الربح. موجة من فك العقود تجتاح القارة العجوز، فيما تصرّ فرنسا على تسويق بضاعتها الفاسدة في بلادنا. فاسدة، باعتراف المؤسسات الرسمية الفرنسية والأوروبية.

في نيسان 2018، وفي تشرين الأول من العام نفسه، استضافت باريس وفدَين أجنبيَّين رسميَّين «باعَتهما» نموذجين نقيضين لإدارة شؤون القطاعات العامة: النموذج الأول كارثيّ على جميع المستويات، كانت العاصمة الفرنسية (ومدن أخرى) جرّبته وعانت منه ثم عدَلت عنه، أما النموذج الثاني فـ«ممتاز» يُعتمد في فرنسا منذ فترة وتفتخر به باريس كإنجاز تباهت به أمام زوّارها.

الضيف الأول كان لبنان في مؤتمر «سيدر»، باعته فرنسا مشاريع «إنقاذية» بشروط أمْلَتها على المسؤولين اللبنانيين وأقنعتهم، من دون عناء، بأنّ ما تعرضه عليهم هو الحلّ الأنسب والوحيد لإدارة الشؤون الاقتصادية في لبنان في ظلّ أزمته وعجزه. النموذج هذا اسمه «الشراكة بين القطاع العام والخاص» Partenariat public – privé (ppp) الذي تضمّنته شروط «سيدر»، والذي جال منادياً بضرورة الإسراع في تطبيقه السفير الفرنسي بيار دوكان في جولته على المسؤولين اللبنانيين الأسبوع الماضي.

ضيف باريس الثاني، بعد 6 أشهر من «سيدر»، كان اليابان. وزراء في الحكومة اليابانية، عُمدة مدينة هاماماتسو (حوالى 800 ألف نسمة) وممثلون عن «بنك اليابان للتنمية»، زاروا بلدية باريس في تشرين الأول ليستفسروا عن (ويستفيدوا مِن) تجربة ناجحة حققتها العاصمة الفرنسية في السنوات العشر الماضية. التجربة الباريسية اسمها: فسخ «الشراكة بين القطاع العام والخاص» أو التخلص من نموذج ppp، وتحديداً، استرداد القطاع العام حصرية إدارة مرافق حياتية مهمّة كقطاع المياه. مياه مدينة باريس عادت منذ 2010 الى كنف الدولة (القطاع العام) بعد تجربة شراكة مع القطاع الخاص دامت لأكثر من 25 سنة تحكّمت خلالها شركتان خاصتان في حياة أكثر من مليوني نسمة في العاصمة الفرنسية، ما أنتج تجربة كارثية على الصعيد الاقتصادي والإنمائي والإنساني.

ما «باعه» الفرنسيون والأوروبيون إذاً كـ«مشروع إنقاذي» لأزمة لبنان الاقتصادية في مؤتمر «سيدر» هو فعلياً ما تتخلى عنه مدن فرنسية وأوروبية وأميركية وآسيوية عديدة منذ سنوات، بسبب ما أفرزه، بعد تجربتهم، من نتائج سلبية (وأحياناً كارثية) على الاقتصاد والخدمات على المدى البعيد. ما قَبِل مسؤولو لبنان به وروّجوه للبنانيين على أنه «الحلّ السحري» لأزماتهم هو بالضبط ما تحذّر منه، حرفياً، المفوضية الأوروبية في كتابها الأخضر (2004) الذي يقول بوضوح «صحيح أن الشراكة بين العام والخاص قد تكون إيجابية على الصعيد الميكرو ـــ اقتصادي إذ تسمح بتنفيذ مشروع ما بأفضل شكل من حيث النوعية / السعر مع الحفاظ على أهداف الصالح العام، إلا أن اللجوء الى الـ ppp لا يمكن أن يُقدَّم كحلّ سحري للقطاع العام الذي يواجه مشاكل في ميزانيته».

كيف كذب المسؤولون اللبنانيون على المواطنين مجدداً ولأي هدف؟ لماذا تبنّوا نموذجاً تسعى دول عديدة للتخلي عنه؟ ولماذا تشهد الدول المتقدّمة وعدد من الدول النامية منذ سنوات موجة إعادة الخدمات الأساسية وبعض المرافق الحياتية والاقتصادية الى القطاع العام؟ لن تجد الجواب في خطابات الرؤساء والمسؤولين الذين بات وصولهم الى المناصب مرتبطاً بمدى استعدادهم لتطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية والالتزام بقواعد وشروط البنك الدولي والشركات الخاصة، وستجد في الإعلام العالمي «جيشاً» من المحللين يدافعون عن النموذج نفسه معتمدين في دفاعهم على ظاهرة ازدياد عدد عقود «الشراكة» المبرمة في السنوات الأخيرة. لكن الجواب الأكثر إقناعاً يكمن في التجارب الفعلية على أرض الواقع، حيث سجّل العالم حتى عام 2017 (حسب تقرير Transnational Institute) نحو 835 حالة، استردّ فيها القطاع العام خدمات ومرافق كان وقّع فيها اتفاقيات «شراكة» مع القطاع الخاص. 1600 مدينة في 45 دولة ركبوا ما بات يعرف بموجة «الاستعادة» أو «الاسترداد» remunicipalisation أي استعادة الدولة / البلدية / شركات القطاع العام إدارة وتنظيم المرافق العامة بعد أن كانوا سلّموا إدارتها كاملاً أو جزئياً أو من خلال اتفاقية «شراكة» للقطاع الخاص. بعبارة أخرى، دول العالم الغربي بالدرجة الاولى، وعدد من الدول النامية، عادت إلى ممارسة «التأميم»!

جدل أوروبي ــ دولي بعد تجارب كارثية

الجدل في أوروبا حول مبدأ «الشراكة» وماهيتها ومخاطرها وجدواها حُسم عند بعض الباحثين الاقتصاديين منذ زمن، ومنتقدوه كُثر يستندون في رفضهم له الى تجارب خيضت في بلدان عديدة في أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا وأميركا اللاتينية وآسيا منذ أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. بحسب دراسات أكاديمية وأبحاث اقتصادية، فإن تلك التجارب كانت سلبية بمعظمها في الدول الغنية كما النامية، والنتائج الكارثية على الاقتصاد والمجتمع والخدمات كانت مشتركة عند الجميع.

الجدل في الغرب حول الـ ppp يبدأ من التسمية، فالتسميات «لا تكون أبداً بريئة»، إذ يرى البعض تسمية «الشراكة» (وهي عبارة «على الموضة») فيها تضليل ومواربة، لأن المصطلح يوهم بأن هناك دوراً ندّياً للقطاع العام مع القطاع الخاص في الاتفاقيات، ويوحي بوضع متساوٍ في الحقوق والواجبات والصلاحيات ونسب الأرباح. إلا أن ذلك ليس سوى كذبة كبيرة، إذ إن بعض المحللين لا يرون فيه سوى شكل آخر من «الخصخصة» مع كل ما تعنيه من سيطرة للشركات الخاصة على المرافق العامة والتحكّم فيها وفق شروطها ولمصلحتها حصراً.

يقول هؤلاء إن هذا النوع من الاتفاقيات يسمح لمسؤولي الدول التي تقع في عجز اقتصادي بإخفاء جزء من الدين العام من خلال إيهام الناخبين بأنهم ينفذون المشاريع كما وعدوا، وبأن الوضع الاقتصادي في البلد بألف خير، بينما هم فعلياً يراكمون الديون ويسلّمون رقبة الدولة ورقاب المواطنين الى مقصلة الشركات الخاصة! وهذا ما سيوصل البلد المعني في المستقبل الى كارثة اقتصادية ـــ إنسانية أكبر من التي كان يعاني منها قبل اعتماد «الشراكة». هذا تحديداً ما دفع بديوان المحاسبة الفرنسي مثلاً إلى وصف الـ ppp في تقاريره منذ عام 2014 بـ«القنابل الموقوتة»، حسب صحيفة «ليبيراسيون». تعبير «القنابل الموقوتة» احتلّ عنوان تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي عام 2014 حذّر من المخاطر والأعباء المالية التي تحملها اتفاقيات «الشراكة» للقطاع العام ونتائجها التي قد تصبح «مضرّة جداً على الأجيال المقبلة (…) ما يجعلها قنابل موقوتة تنتظر أجيال المستقبل». وفي هذا الإطار يُنقل عن الرئيس الأول السابق لديوان المحاسبة الفرنسي فيليب سيغان قوله عندما سُئل عن رأيه باعتماد الدولة نموذج «الشراكة»، إن الدولة «برهنت أنها مصابة بقصر نظر مكلف جداً».

«انطلق الاتحاد الأوروبي، منذ 2004، في عملية تحويل مستعمراته السابقة الى مناطق تبادل تجاري مفتوحة بغية غزو أسواقها تحت مسمّى «الشراكات الاقتصادية»، من دون أن يستثني من هذه العملية طريقة إخضاع الدول وفرض القيود عليها»، يلفت في هذا المجال تحليل مفصّل صادر عن «مجموعة الأبحاث من أجل استراتيجية اقتصادية بديلة».

أحد تقارير ملف بحثي في «جامعة كيبيك في مونتريال» الكندية يشرح كيف أن بعض اتفاقيات «الشراكة» في مرافق خدماتية أساسية في كندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأرجنتين لم تحسّن نوعية الخدمات كما وعدت بل رفعت أسعارها وانتهت بالتحكّم في الشروط والاستفادة فقط من تقديم الدول مقار مجانية لها. كما يثبت كيف أن اقتراض الدولة الأموال من نفسها لتحسين مرفق عام أوفر بكثير من تسليم إدارته لشركة خاصة ستفرض عاجلاً أو آجلاً أعباءً مالية إضافية على كاهل الدولة والمواطنين. هي في الحقيقة عملية «نقل (ملْكية) من العام الى الخاص وعبارة الشراكة وُضعت لتمويه هذا النقل»، يؤكّد البعض الآخر» كاشفاً عن جانب يسعى موقّعو «الشراكات» الى إخفائه، وهو جانب استحواذ القطاع الخاص على المرفق العام واستبعاد أي دور فاعل للدولة في عملية إدارته.

أبرز الملاحظات الموجّهة الى اتفاقيات «الشراكة» من قبل محللين واقتصاديين غربيين بعد مئات التجارب حول العالم:

نموذج عملي: «استرداد» مياه باريس وأكثر من 100 مدينة فرنسية

فرنسا تصنّف «بطلة العالم» في إعادة مرفق المياه الى القطاع العام، حيث سجّلت بين 2001 و2017، 106 حالات استرداد من أصل 267 حالة استرداد في العالم. باريس ليست أوّل مدينة فرنسية ولا الأخيرة التي أوقفت اتفاقات «الشراكة» بين القطاعين العام والخاص في إدارة مياه الشفة والصرف الصحي، تُضاف اليها بين المدن الكبرى غرونوبل، نيس، رين ومونبولييه. الأخيرة (350 ألف نسمة)، استرجعت السيطرة على مرفقها الحيوي عام 2016. كانت تلك المدينة تُعَدّ معقلاً لشركتي خصخصة المياه (فييوليا Veolia وسوييز Suez). ولذلك، اعتُبر فكّ شراكتها مع القطاع الخاص في مرفق المياه تحديداً إنجازاً مهمّاً للقطاع العام الفرنسي، وله دلالات كبيرة بين المشاريع الاخرى. بعد فكّ «الشراكة» سجّلت مدينة مونبولييه انخفاضاً في سعر خدمات المياه بنسبة 10%.

باريس (أكثر من مليوني نسمة) استرجعت بلديتها حصرية إدارة مياه الشفة والصرف الصحّي من شركتي «فييوليا» و«سوييز» عام 2010، وكانت تلك الشراكة بدأت عندما كان جاك شيراك عمدة للمدينة عام 1984 وكانت تربطه علاقة وطيدة بمدير إحدى الشركتين اللتين تولّتا إدارة مياه المدينة منذ ذلك الحين، كما يوضح تقرير «المركز الدولي للأبحاث والمعلومات حول الاقتصاد العام والاجتماعي والتعاوني» CIRIEC المفصّل عن مياه باريس. التقرير يشرح كيف أن الشركتين عدّلتا سنة بعد سنة بنود اتفاقية الشراكة لمصلحتهما وكيف فقدت بلدية باريس خبراتها المعرفية والتقنية في مجال المياه، وبالتالي قدرتها على «القيادة والسيطرة» في هذا المجال، لتسيطر الشركتان بالكامل لاحقاً على خدمات المياه في العاصمة الفرنسية. ثم في عام 2000 فتحت تحقيقات داخلية بشأن الشركتين ومسار الاتفاقيات، وتبيّن وجود خلل كبير في كيفية إدارة المرفق الحيوي. وفي الأول من كانون الثاني عام 2010 ألغي الاتفاق بالكامل مع الشركتين واستردّت شركة «مياه باريس» (قطاع عام) حصرية إدارة مرفق المياه، وشُكّل مرصد يشارك فيه ممثلون عن الهيئات المدنية والسكّان «من أجل مشاركة ديموقراطية فاعلة» في إدارة هذا المجال، وقد اعتمدت عدّة مدن لاحقاً نموذج «المرصد السكّاني» الذي أرسته باريس.

أولى المدن الفرنسية الكبرى التي استعادت حقها في إدارة المياه هي غرونوبل (نحو 320 ألف نسمة) التي فكّت شراكتها مع الشركات الخاصة منذ 2001 لتتوصّل لاحقاً الى استرجاع جميع خدمات الطاقة (نظام تدفئة عام مشترك، إضاءة الشوارع وغيرها من الخدمات…). أما تجربة مدينة نيس (نحو 345 ألف نسمة) فكانت صادمة للفرنسيين، لأن إدارة هذه المدينة المحافظة سياسياً أنهت عدّة «شراكات» مع القطاع الخاص، بدءاً بوسائل النقل عام 2012 ثم المياه عام 2015، لتنهي بذلك تاريخاً من إمساك القطاع الخاص بالمرفق الحيوي الذي يعود الى عام 1952. كما استرجعت قطاعات كإدارة المطاعم المدرسية وبعض النشاطات الثقافية والفنّية، مثل مهرجان الجاز.

للدلالة على المسار التي تتبعه بعض الدول المتقدمة، وأبرزها فرنسا التي تحمل شرط «الشراكة» لتفرضه على اللبنانيين عبر «سيدر»، تكفي الإشارة إلى أن فرنسا لم تشهد، على مدى السنوات الـ20 الأخيرة، أي عملية انتقال من القطاع العام الى الخاص في إدارة المياه!

ديوان المحاسبة الأوروبي 2018: تقرير تحذيري

التقرير الرسمي الصادر عن ديوان المحاسبة الأوروبي عام 2018 بعنوان «الشراكة بين القطاع العام والخاص في الاتحاد الأوروبي: قصور كثير وإيجابيات محدودة»، والذي درس اتفاقات «الشراكة» التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع دول أوروبية (فرنسا، اليونان، إيرلندا وإسبانيا) خلص إلى ملاحظات خطيرة أبرزها:

إضافة إلى مخاطر أخرى تتعلّق بغياب الشفافية وصرف مبالغ طائلة بطريقة غير فاعلة، أوصى التقرير بالآتي:

بريطانيا… عودة روبن هوود!

من أوائل الدول التي اعتمدت مبدأ «الشراكة» هي بريطانيا، حيث يُسمّى النموذجPrivate) Finance Initiatives (PFIs، أي «مبادرات التمويل الخاص».

لكن المملكة ماضية أيضاً بفض تلك «الشراكات» في مرافق عديدة، أبرزها النقل (7 حالات)، النفايات (7 حالات) والطاقة (5 حالات). بين عامَي 2008 و2010 أنهت بريطانيا عقوداً بقيمة 20 مليار جنيه استرليني مع شركات خاصة كانت موكلة تأهيل وتنفيذ مشاريع خطوط مترو العاصمة لندن، لأسباب تتعلق بـ: «سوء إدارة الشركات، عدم الكفاءة، عدم القدرة على السيطرة على التكاليف، غياب خطة واضحة للمستقبل وسوء الإدارة المالية…». أما قطاع الطاقة (الغاز والكهرباء) المخصخص بشكل كامل منذ عهد مارغريت تاتشر، فبدأ يشهد تغييرات كثيرة أدّت الى استرداد القطاع العام في عدد من المدن الكبرى لهذا المرفق الحيوي. بعض المدن البريطانية الكبرى أنشأت شركات عامّة تؤمّن الطاقة للسكّان بعدما لاحظت أنه لم يعد بمقدور جميع السكّان، وخصوصاً ذوي الدخل المنخفض، دفع تكاليف خدمات الغاز والكهرباء وهي خدمات حيوية لا يمكن التنازل عنها. نوتينغهام (532 ألف نسمة) أنشأت عام 2015 شركة «روبن هوود إينيرجي» لتوفير الطاقة بأسعار منخفضة وتوزيعها على كلّ السكّان. وبعد نجاح تجربة «روبن هوود» في نوتينغهام، انتقل النموذج الى مدن كبرى أخرى في كل أنحاء بريطانيا، حيث يؤمّنون اليوم الغاز والكهرباء بأدنى الأسعار لأكثر من مليونَي نسمة.

نفايات أوسلو

عام 2017، أنهت العاصمة النروجية أوسلو «شراكة» مع القطاع الخاص في إدارة النفايات دامت لمدة 20 سنة. بين 2016 و2017 تصاعدت الاحتجاجات في المدينة بسبب تقصير الشركة المكلّفة بجمع النفايات من شوارع المدينة. بعد تحقيق رسمي من قبل الدولة، اكتُشف أيضاً أن الشركة كانت تشغّل بعض عمّالها لمدّة 90 ساعة في الأسبوع، ما يتنافى مع قوانين العمل وحقوق العمّال. بداية 2017، أعلنت الشركة إفلاسها وحرّرت نفسها من كل المسؤوليات، من ضمنها دفع مستحقات موظفيها. ومنذ ذلك الحين، عادت إدارة النفايات في أوسلو إلى القطاع العام.

ليتوانيا وفضائح التلاعب بالأسعار

قررت العاصمة الليتوانية، فيلنيوس (نحو 545 ألف نسمة)، عام 2016 فسخ عقدها مع شركة تابعة للعملاقة الفرنسية Veolia في مرفق الطاقة الغازية وتأمين التدفئة، ورفضت تجديد العقد معها بعد 15 سنة من «الشراكة». إذ إن تحقيقاً داخلياً كشف أن الشركة الخاصة كانت تتلاعب بأسعار المحروقات لتزيد من سعر الخدمة المدفوع من قبل السكّان. بعد ضغوط شعبية واتهامات بالفساد وعدم الشفافية، رفضت بلدية العاصمة تجديد العقد مع الشركة، ما دفع بالشركة العملاقة الأم Veolia إلى المطالبة بتعويض قدره 100 مليون يورو من الدولة الليتوانية. الأمر الذي تبعه مسار قضائي دولي لم ينتهِ بعد، فيما أعلنت السلطات الليتوانية عام 2017 إعادة خدمات التدفئة نهائياً الى القطاع العام.