وأخيراً، وبعد طول انتظار، تمت المصالحة بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي، وكان عرّابها الرئيس فؤاد السنيورة. في الشكل ثمة مكاسب للطرفين: الرئيس الحريري كسب تفادي ترشيح ريفي في طرابلس ودعم الأخير لديما جمالي، كما كسب تأكيد كونه المرجعية السنية الأولى في لبنان. واللواء ريفي كسب المصالحة بندية في منزل السنيورة الذي قصده هو والحريري وليس في بيت الوسط، كما كرّس ريفي الاعتراف الحريري به مرجعية طرابلسية.
أما في المضمون فأهمية هذه المصالحة عشية ذكرى 14 آذار ليست في توقيتها، ولا في ارتباطها بجانب كبير بالانتخابات الفرعية في طرابلس، بل كونها تريح الشارع السني السيادي في عز محاولات “حزب الله” العمل على فرط هذا الشارع من خلال محاولات إضعاف سعد الحريري من جهة، وهو ما ظهر خلال تأليف الحكومة تحديداً بالإصرار على توزير سني تابع للحزب لكسر تمثيل الحريري سنياً، ومن خلال الحرب المفتوحة التي يقودها “حزب الله” على الرئيس فؤاد السنيورة، والحرب الإعلامية والسياسية الدائمة ضد اللواء أشرف ريفي.
ولئن كانت تفاصيل هذه المصالحة واستشراف مستقبل العلاقة بين الحريري وريفي يحتاج إلى بلورة مع الوقت، برعاية ومتابعة من السنيورة، إلا أن السير في عكس الطريق التي يرغب بها “حزب الله” يشكل في حد ذاته انتصاراً معنوياً وسياسياً للخط السيادي على الحزب. كما أن إراحة الشارع الطرابلسي بتحالف في الانتخابات الفرعية يشمل الحريري- ميقاتي- الصفدي- ريفي لا يعني حصراً حسم المعركة الفرعية لمصلحة ديما جمالي، إنما يعني بشكل مباشر تحجيم حضور فريق 8 آذار طرابلسياً، وهو ما قد يمهّد لحسم المعركة بالتزكية ويرسل إشارات قاسية لحلفاء النظام السوري في عاصمة الشمال الفيحاء.
هكذا يكون الهدف السياسي من إسقاط نيابة جمالي سقط بالضربة القاضية، فعوض إضعاف الحريري وتيار المستقبل، وإرهاق الشارع السني بانتخابات جديدة بعد أقل من سنة على الانتخابات النيابية، وعوض خوض مواجهات سنية- سنية وداخل الفريق السيادي نفسه في حين يتفرّج “حزب الله” مسروراً، سارت الأمور في الاتجاه المعاكس: تحققت المصالحة السنية- السنية بين الحريري وريفي ما أراح طرابلس والشمال اللذين يشكلان خزاناً سنياً سيادياً لطالما وقف في وجه “حزب الله” والنظام السوري.
أقصى التمنيات اليوم، أن يتم تفعيل هذه المصالحة لا لتبقى محصورة داخل الطائفة السنية، بل لتمتد إلى بقية الأطراف السيادية علّنا نتمكن من استنهاض روح 14 آذار، عشية ذكراها الـ14، فنعيد بناء الجبهة السيادية الصلبة في وجه أطماع “حزب الله” ومشروعه، ونستعيد بريقاً من كرامة فقدناها في صراع الأنانيات والمصالح والكراسي والصفقات!