على وقع التقدّم العسكري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة اميركية، في محيط منطقة مخيم الباغوز، في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، لإنهاء وجود ما تبقى من تنظيم “داعش” في شرق الفرات، تُسجّل أسهم التسوية السياسية للازمة السورية تراجعاً ملحوظاً، رغم الرهان على انعكاس نتائج الحسم في الشمال السوري على تسريع مسار التسوية.
وقبل بدء عمليات شرق الفرات، كان الرهان على الاثار الايجابية للانسحاب الاميركي من سوريا على عملية التسوية، الا انه “اصطدم” بجملة تحوّلات اعادت الامور الى الوراء، لاسيما ان بعض الجهات الفاعلة في الميدان السوري قاربت هذه التحولات من منظار ميزان الربح والخسارة.
وتشير اوساط دبلوماسية غربية لـ”المركزية” الى “ان النظام وحلفاءه الايرانيين واذرعهم العسكرية بمن فيهم “حزب الله”، اعتقدوا مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب القوات الاميركية من سوريا بقرار مُفاجئ منه ومن دون التشاور مع حلفائه الاوروبيين، انهم انتصروا وباتوا يتصرفون من هذا المنطلق على ان محورهم انتصر وباتوا اسياد الحل والربط في سوريا، قبل ان يتبدّل المشهد السوري مع اعلان ترامب عن بقاء قوة من الجنود الاميركيين (بالمئات) لاخراج “داعش” من اخر معاقلها وارساء الهدوء وتنظيف المنطقة، وهو ما بدّل من الصورة ومن طبيعة المعركة، ما يعني عدم السماح لايران بملء الفراغ الاميركي هناك”.
كما ان التقارب الروسي – التركي وتفاهمهما حول ادلب، مع المحافظة على الاستقرار في مناطق خفض التوتر وتثبيت وقف اطلاق النار، خشية انتشار الارهابيين في المناطق التركية وغيرها من الدول هرباً من العمليات العسكرية، وإستبعاد النظام السوري وحليفه الايراني عن الاتّفاق، اعاد خلط اوراق الحلفاء – المفترضين – في المحور المناهض للسياسة الاميركية، وسط “احتدام” التنافس في ما بينهم لقضم اكبر جزء ممكن من الجبنة السورية على حساب الاخرين.
وفي السياق، تلفت الاوساط الدبلوماسية الغربية الى “ان النظام يتّجه اكثر الى تعزيز علاقاته بايران على حساب حليفه الاساسي روسيا، وزيارة رئيس النظام السوري بشار الاسد طهران منذ اسابيع تصبّ في هذا الاتّجاه، خصوصاً ان المعلومات تشير الى ان طهران تتمسّك بالاسد في السلطة، في حين ان موسكو وبالاتّفاق مع واشنطن تسعى الى إخراجه من السلطة من طريق الانتخابات. وتبين ان روسيا التي حصّنت مواقعها في سوريا وجهّزت قاعدتي حميميم وطرطوس وامّنت وجودها على الساحل لتصدير الغاز الى اوروبا، لا تسعى الى صدام مع ايران، الا انها في الوقت ذاته ترفض شراكتها في سوريا، كذلك تركيا وتحتفظ لنفسها بالقرار وهي التي ستشرف على ورشة اعادة الاعمار مع وضع دستور جديد واجراء انتخابات نيابية ورئاسية لن يترشح اليها الاسد”.
وتوضح الاوساط الدبلوماسية الغربية لـ”المركزية”، “ان الامور في سوريا باقية على حالها الى ان يُقدّم الرئيس الاسد تنازلات بعدما تبين ان هناك مناطقَ لا يمكن للنظام دخولها حتى لو تم تحريرها من تنظيم “داعش”، وان اندحار المعارضة لا يعني انتصار النظام”.
ولا يبدو ان الرئيس الاسد في وارد تقديم اي تنازلات راهناً، وهو يسعى من خلال حلفائه، لاسيما في لبنان الى تثبيت وضعه العربي متسلّحاً-على حدّ ما يعتبر-بالنصر الذي حققه في سوريا بدحر الارهاب وعودة الاستقرار الى المناطق السورية. وتعتبر الاوساط الدبلوماسية “ان النظام يحاول من خلال حلفائه في لبنان ممارسة الضغط مع مصر والاردن والعراق لاستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، الا ان سائر الدول العربية، لاسيما الخليجية منها لا تُشجّع على هذه الخطوة، وتطالب سوريا بالتجاوب مع المطالب العربية، وابرزها فكّ ارتباطها مع ايران، كشرط اساسي لتتم عودتها الى الحضن العربي والجامعة”.