ما فرقته الحسابات الرئاسية التسووية في العام 2016، جمعته المصلحة الانتخابية السنّية في طرابلس بعد ثلاثة اعوام وعشية ذكرى 14 اذار برمزيتها. فالخلاف الذي ارتفعت لبناته داخل البيت المستقبلي منذ جنوح الوزير اشرف ريفي عن الخط، بدءا من اعتراضه على تأييد الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية للانتخابات الرئاسية ثم المناكفات والتسريبات مع زميله الوزير نهاد المشنوق وصولا الى انسحابه من جلسة مجلس الوزراء آنذاك اعتراضاً على عدم إحالة قضية الوزير السابق ميشال سماحة الى المجلس العدلي والرد السريع من الرئيس الحريري الذي اعتبر ان موقف ريفي لا يمثله، تلاشى فجأة بـ”ضربة معلم” من الرئيس فؤاد السنيورة وبرغبة من الطرفين وتقاطع مصالح ودفع عربي في آن.
على مدى عامين ونيّف استعرت الخلافات وبلغت ذروتها في الانتخابات البلدية التي اكتسح فيها وزير العدل السابق مدينة طرابلس. لكن الظروف تقلبت والمناخات السياسية تبدلت. فالانتصار الذي حققه ريفي في البلدية لم ينسحب على الاستحقاق الانتخابي والفرقة التي راهن البعض على انها ستقصي آل الحريري عن قصر اليمامة، لم تقع لا بل عادت العلاقات بين رئيس الحكومة وآل سعود اقوى من قبل مكرّسة الزعامة السنية في لبنان لآل الحريري حتى أجل اخر. اما الرئيس الحريري الموضوع في عين الاستهداف من حزب الله، ولئن بطريقة غير مباشرة، من خلال ملف الـ11 مليار دولار، والذي يصوب بوصلة اهتماماته راهنا على تنفيذ مؤتمر “سيدر” متجنبا الانزلاق الى السجالات والتلهي بالقشور عن الاهم، فيرى فائدة كبرى في لمّ شمل الصف السني الذي يحاول الحزب خرقه لكسر “الاحادية السنيّة” وفق ما تبين من خلال اصراره على توزير سنّة المعارضة إبان تشكيل الحكومة، خصوصا مع من تجمعه به العقيدة والقضية والخط السيادي، وفي طرابلس بالذات التي تستعد لملء مقعدها الشاغر بفعل قبول الطعن بنيابة ديما جمالي.
ويؤكد مطلعون على مسار العلاقة بين الحريري وريفي ان المصالحة كانت منتظرة في اي لحظة، فكيف بالاحرى في ذكرى 14 اذار وفي انتخابات طرابلس الفرعية، وفي ظل النصائح الخارجية بوجوب اعادة توحيد الصف السيادي وكل الظروف المحيطة بالمنطقة عموما ولبنان خصوصا؟ ويعتبرون ان في المصالحة مصلحة للطرفين. فريفي الذي لا بد أجرى مقاربة للوقائع والمعطيات السياسية المحلية والخارجية واقتنع الى حد ما بالنظرية القائلة بوجوب العودة الى لغة العقل والمنطق القاضية بالابتعاد عن سياسة المواجهة التي اثبتت عقمها بحسب ما تبين في الانتخابات النيابية، يدرك ان العودة الى الحضن المستقبلي اكثر فائدة من حرب الطواحين خارجه وابلغ تأثيرا في خدمة الخط السيادي الذي ينتهجه لان خلاف ذلك سيضعه في مواجهة مع بيئته السنية الضيقة في طرابلس ثم على مستوى لبنان والواسعة الممتدة الى الدول العربية لا سيما السعودية. وهو بخياره الجديد هذا قد يعود الى الحلبة البرلمانية في الانتخابات المقبلة، بعدما اختاره الرئيس الحريري سابقا وزيرا للعدل. والرئيس الحريري يتطلع الى كسب ودّ كل القيادات السنية التي اذا ما اصطفت الى جانبه تعيد اليه بريقا افتقده في الحقبة السابقة.
واذا كانت المصالحة التي نجح الرئيس السنيورة في حبكها واخراجها قدمت انتصارا للطائفة السنية والخط السيادي فيها اولا وللرئيس الحريري ثانيا وللوزير ريفي ثالثا، فإن الانتصار الاكبر، بحسب المصادر، سجله السنيورة لنفسه في لحظة يتعرض فيها لاستهداف شرس من حزب الله، اذ اثبت قدرة على جمع اقطاب الطائفة، في دارته بالذات، وتوحيد صفوفها في مواجهة اي محاولة ومن اي جهة اتت للمسّ بأي شخصية قيادية فيها.