لم يكن عابِراً «الهجومُ الاستباقي» الذي شنّه رئيسُ الحكومة سعد الحريري من بروكسيل ورسَم معه خريطة الطريق السياسية لإعادة النازحين محدِّداً «مفتاحَها» بـ «الضغطِ على النظام السوري من كل الحلفاء والأصدقاء» وذلك في مقابل دعوة حلفاء هذا النظام في لبنان إلى التطبيع الرسمي معه كمدْخلٍ لفتح «باب العودة».
وحَجَبَ هذا الموقف المتقدّم للحريري الأنظار عن مضمون كلمته أمام مؤتمر بروكسيل 3 والتي جاءت تحت سقف البيان الوزاري الجامِع لحكومته والتي اعتبر فيها أن «الحلّ الوحيد لأزمة النازحين هو العودة الآمنة الى بلادهم مع احترام القوانين والمعاهدات الدولية»، مع تأكيد أن «الحكومة اللبنانية ملتزمة العمل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أي مبادرةٍ عملية تضمن العودة الآمنة لهم بما في ذلك المبادرة الروسية».
وحذر من «ازدياد اثر أزمة النازحين السوريين على لبنان (…) ما يؤدي الى وضع العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين في أجواء توتر شديد ويهدد استقرار لبنان»، متحدثاً عن «قرارات صعبة ستتخذها حكومتي في الأسابيع المقبلة لخفض الانفاق، ولذلك فإنه من الواضح والصريح جداً أنه لن يكون هناك تمويل إضافي في موازنة 2019 ولا في الموازنات اللاحقة لتلبية الاحتياجات الانسانية للنازحين»، وداعياً الى «تأمين التمويل الكافي لخطة لبنان للاستجابة للأزمة».
وأعلن ان«لبنان طالب عام 2019 بـ 2.6 مليار دولار، وفي 2018 بلغت مساهمات المانحين لخطّتنا 1.2 مليار دولار مثلت نحو 45 في المئة من أساس مبلغ 2.7 مليار».
وفي موازاة هذه الإحاطة التي تعكس تفاهمات«الخطوط العريضة»في لبنان في ما خص ملف النزوح مقابل تبايناتٍ عميقة حيال آليات العودة ومساراتها، جاء إعلان الحريري في حوارٍ مع الإعلاميين بعيد وصوله إلى مقّر المؤتمر«أن أهمّ حل للنزوح هو العودة ولذلك يجب الضغط على النظام في سورية كي يعود النازحون اذ ليس من الطبيعي أن يكون هناك 10 ملايين نازح خارج سورية»، محمَّلاً برسائل بارزة في أكثر من اتجاه.
ولم يمكن ممكناً إغفال ان رئيس الحكومة حدّد من خلال هذا الكلام سقف «المواجهة» مع ملامح إصرار حلفاء نظام الرئيس بشار الأسد على استدراج لبنان إلى تنسيقٍ رسمي سياسي في هذا الملفّ تحت عنوان تسهيل العودة، قبل أن يذهب أبعد في جوابه على سؤال حول «نظرته إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري وعودة سورية إلى جامعة الدول العربية»، إذ قال «هذا قرار تتخذه الجامعة، ولبنان سيكون مرافِقاً لهذا القرار الذي لا يتعلّق بلبنان بل بالجامعة العربية».
يُذكر أن الحريري، الذي التقى في بروكسيل وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير ثم استقبل وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد، لم تمر الذكرى 14 لـ «ثورة الأرز» من دون ان يؤكد فيها أن «14 مارس 2005 يوم تاريخي وضع فيه اللبنانيون أساسات مشروع الدولة والسيادة والحرية»، معلناً «انه مشروع نضال طويل نواصل تحقيقه بتثبيت الاستقرار الأمني والاقتصادي وحماية العيش المشترك وتعزيز مؤسسات الدولة ونظامنا الديموقراطي».