كتب ابراهيم الزبيدي في صحيفة “العرب اللندنية”:
إن جميع ما حصده حسن روحاني في زيارته لـ”عِراقه” الإيراني من مكاسب تاريخية لم يستطع الشاه محمد رضا بهلوي، بكل جبروته، والخميني بكل عنجهيته، أن ينتزع بعضا منه من الملك فيصل الأول ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم وعبدالسلام وعبدالرحمن عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين. وهذا يعني أن عادل عبدالمهدي فعل ما لم يستطعه كل من جاء قبله. على رأي الخالد أبي العلاء المعري “وإني، وإن كنت الأخير زمانهُ لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ”.
والحقيقة أن كل الهوان الذي ألحقه حكام المنطقة الخضراء بالشعب العراقي، من أول أيام خطيئة الغزو الأميركي للعراق الذي التقطهم من مقاهي لندن وطهران وعمان وبيروت ونصّبهم أئمةً وسدنةً وقيّمين على مصير بكامله وإلى اليوم، ليس هو كل ما أزعجنا وأصابنا بالحزن والأسف، بل هو جعلُهم وطننا وشعبنا حطبا لنارِ خصامٍ مشتعلة بين نظام إيراني متمرد على القوانين والأعراف الدولية وقيم الجيرة ويريد أن يتخذ العراقيين دروعا بشرية لحماية مؤخرته المهددة بالاغتصاب، وبين أميركا التي تهدد بالويل والثبور كل من يحاول أن يضع يدا مع هذا ويدا مع ذاك، ويحمل بطيختين بيد واحدة، ويمسك العصا من نصفها، ولا يكون، بصراحة ووضوح، مع الرئيس دونالد ترامب أو ضده، فكيف إذن إذا انحاز إلى إيران وألقى سماءه وهواءه وماءه بين يدي إيران لتستخدمها أسلحة ضد خصمها العنيد؟
ويعلم العراقيون والعرب والعالم بأن التاريخ علّم الجميع أن هذا الوطن الصغير الذي اسمُه العراق كان وسيظل عصيّا على الغزاة والمحتلين، وهذه أرضه شاهدة على ذلك، فهي زاخرة ببقايا عظام الجبابرة الذي حاولوا إذلاله فذهبوا وذهبت أيامهم إلى غير رجعة، وبئس المثوى وبئس المصير.
وعلى هذا فإن جميع الاتفاقات الظالمة التي وقّعها وزراء عادل عبدالمهدي مع ضيوفه الإيرانيين ليست خالدة، ومن المؤكد أن أجيالا عراقية أو إيرانية جديدة عاقلة وعادلة ستأتي في قادم الأيام أو الشهور أو السنين فتمزق هذه الأوراق الصفراء التي لا تزرع بين الشعبين الأخوين الجارين سوى الفرقة والحقد والضغينة والاقتتال.
شيء آخر. إنها تفتح نافذة للنظام الإيراني المحاصر في محاولة لتخفيف آثار العقوبات الأميركية التي تحوّلت، مع الأسف، إلى أملٍ وحيد للشعب العراقي المبتلى في إمكان أن تساعده على الخلاص من ربقة الاحتلال الإيراني، وتجبر الملالي الإيرانيين على تغيير سلوكهم العدواني العنيد، ومنعهم من حماية الحكام الفاسدين العراقيين الذين عجز القضاء العراقي غير المستقل، عن محاكمتهم وإنزال القصاص بمن تثبت عليه تهم الاختلاس والخيانة والتخابر مع الأجنبي. وأستعير هنا من صفحة الزميل عثمان المختار على تويتر تفصيل الأضرار التي ألحقها عبدالمهدي وروحاني بالعراق.
– إعادة العمل باتفاقية الجزائر عام 1975 رغم أن مجرى شط العرب انحرف لصالح إيران بسبب استمرار طهران بالكري، وتوقف العراق عن ذلك منذ سنوات طويلة وهو ما يمنحها ممرا واسعا على حساب العراق، دون أن يتضمن ذلك نص يمنع الإيرانيين من تصريف المياه المالحة والمخلفات الكيماوية بمجرى الشط.
– اتفاقية التبادل التجاري: لا يملك العراق شيء يصدّره لإيران، وبالمقابل إيران تصدّر منتجات بقيمة تصل لـ12 مليار دولار، والاتفاقية ستقتل أي محاولات لإنعاش الإنتاج الصناعي أو الزراعي العراقي وتمنع الدول الأخرى الطامحة لدخول السوق العراقية من المنافسة معها.
– حقول النفط المشتركة: كلها بلا استثناء يملك فيها العراق الأغلبية مثل “الفكة” 95 بالمئة منه داخل العراق، لكن إيران وضعت نفسها بمسودة الاتفاق مناصفة تستخرج بقدر ما يستخرجه العراق.
– تنظيم الملاحة بمياه الخليج: ذبحت خور العمية بعدما استولى الكويتيون على خور عبدالله وبذلك خنقت البصرة أكثر.
– اتفاقية الحدود لم تتطرّق لمخلفات المعامل الإيرانية التي رفعت نسبة السرطان بمدن حدودية جنوبية ولا لمياه البزل المالحة التي فتكت بعشرات الآلاف من الهكتارات الزراعية ولا لتهريب المخدرات الإيرانية، والخوف من أنها تتضمن اعتبار تواجد قواتها داخل الشريط العراقي”5 و10 كم” حدود جديدة.
– إلغاء رسوم الدخول: سنويا يدخل ما بين 5 و7 مليون إيراني للعراق كسياح دينيين ويدفع كل واحد رسوم دخول توفر للعراق ما بين 140 و200 مليون دولار تم إلغاءها، ودخولهم بات مجانا بزعم التعامل بالمثل رغم أن مجموع العراقيين الذاهبين لإيران لا يتجاوز 5 بالمئة من مجموع الإيرانيين الداخلين للعراق.
– رفض روحاني مناقشة إعادة الطائرات العراقية الحربية والمدنية المحتجزة لديهم منذ عام 1991، ولا مناقشة تقسيط ديون الكهرباء، كما لم يقدم أي تعهدات حول مياه الكارون ولا نهر الوند ولا وقف حبس المياه عن ديالى ولا إعادة 11 رافدا لدجلة إلى مسارها ولا وقف تصريف الملح على الأراضي العراقية.
والخلاصة أن عادل عبدالمهدي الذي ألبسه قاسم سليماني معطفا واسعا جدا عليه، وجعله بواب جهنم العراقية الجديدة قد دخل التاريخ، ولكن ليس من أوسع أبوابه، ولا من أنظفها وأشرفها وأكرمها، والعياذ بالله.