كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “العربي الجديد“:
لم يكد اللبنانيون ينسون أزمة النفايات قبل سنوات، وانتشارها في شوارع العاصمة والمناطق، وما جرّته من حراك شعبي، حتى جاءتهم تهديدات بعودتها.
يتجه لبنان نحو أزمة نفايات جديدة شبيهة بتلك التي شهدها في صيف عام 2015، إذ من المتوقع أن يبلغ مطمر برج حمود (إلى الشمال من بيروت) قدرته الاستيعابية القصوى في شهر تموز المقبل، وأن تشهد بعض المناطق تكدّس نفايات في شوارعها. ويختلف معنيون بمتابعة ملف النفايات حول المدة الزمنية التي يحتاج إليها مطمر “كوستابرافا” (إلى الجنوب من بيروت) لبلوغ قدرته الاستيعابية.
من جهته، يحاول وزير البيئة فادي جريصاتي ولجنة الأشغال العامة النيابية، برئاسة النائب نزيه نجم، متابعة بحث موضوع النفايات لوضع خطة لمعالجة المشكلة وتجنّب وقوع الأزمة. ويظهر واضحاً اتجاه اللجنة لاعتماد خيار المحارق كحلّ طويل الأمد. لكنّ اللجنة ما زالت تبحث عن حلّ مؤقت لتفادي انتشار النفايات على الطرقات ريثما يبدأ عمل المحارق.
وفي اتصال مع “العربي الجديد”، يؤكد نجم أنّ مطمر برج حمود سيمتلئ خلال فترة تراوح بين ثلاثة أشهر وستة. أما بالنسبة لمطمر الكوستابرافا فيقول: “سيمتلئ المطمر خلال ستة أشهر في حال لم نبدأ باعتماد تقنية التسبيخ، وهي التقنية التي أقرها مجلس الوزراء، وتقوم على فرم النفايات العضوية وتحويلها إلى سماد، أما في حال بدأ التسبيخ فسيحتاج إلى فترة تراوح بين سنتين وثلاث سنوات حتى يمتلئ”. يدافع نجم عن خيار المحارق كحلّ للأزمة، ويضيف: “نعتمد قرارات شعبية، لكنّها تصبح غير شعبية عندما نخرج إلى الإعلام ونروي قصصاً غير صحيحة. إن كانت المشكلة بعدم الثقة بكيفية إدارة المحارق ضعوا رقابة عليها”. يشير نجم إلى أنّ البعض استفاد مالياً من طمر النفايات عبر العقارات، لكنّه مع سؤاله عن الحلّ الذي سيعتمد خلال الفترة التي ستلي امتلاء المطامر وستسبق إنشاء المحارق يجيب: “الحلّ غير واضح، فهم لا يسمحون لنا بالبحث عن البديل، منذ سنوات يتحدثون بشكل شعبوي، فليقدموا لنا حلاً، فكلّ يوم يضيع يؤذي البلد”.
بالرغم من طمأنته المتكررة أنّه لن تكون هناك أزمة نفايات، يقول مصدر في وزارة البيئة لـ”العربي الجديد”: “سنواجه دوماً أزمة نفايات طالما لم يجر اعتماد خطة مستدامة. يؤكد في الوقت نفسه أنّ الوزارة تعمل على تفادي الأزمة، ويشير إلى أنّ مطمر برج حمود سيمتلئ خلال شهر تموز، فيما ينفي أن يشهد مطمر “كوستابرافا” أزمة قريبة. يتابع: “أقرّت توسعة مطمر كوستابرافا وهو لا يواجه مشكلة حالياً، أما مسألة التسبيخ فقد أقرّها مجلس الوزراء كشرط من شروط توسعة المطمر، لكن لم يجر إنشاء معمل التسبيخ بعد”. ويؤكد المصدر أنّ الأزمة ستختلف بحسب المناطق، إذ إنّ عدة شركات تتولى جمع النفايات بحسب المنطقة، وليست شركة واحدة.
وعن روائح النفايات الكريهة التي شمها سكان بيروت بشكل قوي في الآونة الأخيرة وتصريح وزير البيئة بأنّها جزء من الحلّ، وهو ما أثار سخرية واستغراب معلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، يوضح المصدر الأسباب: “في عام 2016 تظاهر حزب الكتائب وقطع الطريق أمام مطمر برج حمود مدة شهر، فرمى المتعهد النفايات في موقف للسيارات قرب المطمر، ولدى إعادة فتح الطريق لم يتمكن المتعهد من نقل هذه النفايات إلى المطمر لأنّه بالكاد كان يتمكن من جمع النفايات اليومية. أنهى المتعهد نقل النفايات لكن ربما ما زالت هناك عصارة في المكان وهي التي تسبب انتشار الروائح الكريهة في بيروت مساءً”.
وكان جوزيف أسمر، مستشار وزيري البيئة، السابق والحالي، قد صرّح لـ”العربي الجديد”، بأنّ دور وزارة البيئة رقابي استشاري حتى اليوم. وتابع: “بالرغم من أنّ القانون 80 الذي أقر في مجلس النواب يعيد الى الوزارة صلاحية التواصل المباشر في كلّ المشاريع التي لها علاقة بالنفايات، فإنّ مفعوله لم يبدأ بعد، فلا مراسيم تطبيقية لهذا القانون. وبالإضافة إلى المراسيم يحتاج تطبيق القانون إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإدارة قطاع النفايات الصلبة، وإلا سيبقى دور الوزارة استشارياً بحتاً”. وأضاف الأسمر: “مجلس الإنماء والإعمار (مؤسسة مستقلة تخضع لرئيس مجلس الوزراء) هو الذي وقع العقود مع المتعهدين وهو من يقوم بالتلزيم حتى الآن، ولم يبدأ بعد دور الوزارة بالتلزيم”.
وفي حديث إلى “العربي الجديد” ترفض الاختصاصية في الإدارة البيئية وعضو ائتلاف إدارة النفايات، الدكتورة سمر خليل، القول إنّ دور وزارة البيئة استشاري، وتؤكد أنّ دور الوزارة التخطيط والمراقبة والمحاسبة. تتابع: “إذا قدمت وزارة البيئة خطة لإدارة النفايات وعرضتها على مجلس الوزراء ووافق عليها فعلى مجلس الإنماء والإعمار أن ينفذ في حال طلب منه التنفيذ في مناطق بيروت وجبل لبنان فقط”. وتقول خليل: “لدينا معلومات بأنّ بلدية بيروت ستطلق دفتر شروط المحارق خلال فترة قريبة جداً. وبالتأكيد سيحاولون الضغط عبر الشارع بالقول إن المطمر سيمتلئ، فكلّ فترة يقولون لنا سنرمي نفاياتكم في الشوارع فتعالوا وافقوا معنا على ردم البحر أو على قتلكم بالمحارق”.
وعن العائق أمام البدء بتنفيذ خطة المحارق بالرغم مما يظهر من اتفاق القوى السياسية الأبرز على هذه الخطة، تقول الخليل إنّ العائق يكمن في إيجاد من سيرضى بوضعها على أرضه. لكن، بحسب خليل، فإنّ المحرقة لن تلغي الحاجة إلى الطمر: “هم مستفيدون من الحرق والطمر أيضاً، فحتى في حال اعتماد المحارق سيحتاجون إلى مطامر، فليست كلّ النفايات قابلة للحرق. ولا شيء يؤكد أنّهم سيرحّلون الرماد الناتج عن الحرق، ونخشى من طمره في مطامر عادية، فكيف سيمكنهم ترحيل 15 طناً من الرماد يومياً من بيروت؟ ولماذا يريدون تحميل اللبناني كلفة الترحيل المرتفعة؟”.
وتشير خليل إلى تواصل الائتلاف مع وزير البيئة: “عندما قابلناه كان لا يزال يدرس ملفاته ولا يملك خطة واضحة، وقال إنّه يريد الفرز من المصدر، وهو ما لا يحلّ الأزمة خلال ثلاثة أشهر، ما يعني أنّنا في حاجة إلى مطمر جديد. علمت بأنّ مجلس الإنماء والإعمار اقترح إعادة فتح مطمر الناعمة أو توسعة مطمر الجديدة وإزالة مرفأ الصيادين”. تضيف: “اليوم يعملون على استراتيجية طويلة المدى، لكن لا أحد يعلن ما هي”.