عصفوران بحجر. هذا ما يمكن استخلاصه من أسبوع “طرابلسي” حافل مر على رئيس الحكومة سعد الحريري، وذلك بخدمة ما كان ليتوقعها من “حزب الله”.
ففي وقت كانت الضاحية تعتد بجرأتها على فتح أكبر الملفات التي لطالما انتظر الناس وضع نقاط المحاسبة الفعلية والجدية على حروفه، بدت السهام العنيفة التي وجهها النائب حسن فضل الله نحو ركن الحريرية السياسية الأول، الرئيس فؤاد السنيورة، كالنقطة التي فاضت بها كأس توتر العلاقات المتوترة أصلا على خط بيت الوسط- الضاحية. بدليل أن، على عكس ما قد يكون فضل الله وفريقه السياسي قد توقعا، فإن الحملة المفتوحة على السنيورة لم تتأخر في إظهار مفعولها العكسي. بمعنى أن هذه الجولة الأولى من “معركة مكافحة الفساد” لم تؤد إلا إلى مزيد من رص صفوف الطائفة السنية، وإعادة بعض التوازن إلى المشهد المحلي لمصلحة بعض القوى المصنفة “رأس حربة الفريق السيادي” في البلد، بعدما رجح “حزب الله” كفة الميزان لمصلحته على مدى أكثر من عامين.
وإذا كان من شأن توقيت إقدام الحريري واللواء أشرف ريفي على طي صفحة خلافهما الطويل إثارة مخاوف إزاء مصير الخطاب ذي الطابع السيادي الذي كان ريفي في مقدمة رافعي رايته، فإن باكورة نتائج هذه الخطوة من المفترض أن يسجلها الحريري هدفا ثمينا جدا في مرمى جميع خصومه، لاسيما منهم أولئك الدائرون في فلك “حزب الله” في الانتخابات النيابية الفرعية المزمع إجراؤها في 14 نيسان المقبل، لملء المقعد السني الطرابلسي الخامس الذي كانت تشغله النائبة المبطلة نيابتها ديما جمالي من تيار “المستقبل”.
وفي هذا الإطار، تدعو مصادر مراقبة، عبر “المركزية”، إلى قراءة متأنية لشريط الأحداث ذي الطابع الانتخابي منذ اتفاق الحريري وريفي على فتح صفحة جديدة بينهما. وتذكر الأوساط أن ريفي نفذ جانبا مهما من التفاهم الذي أبرم تحت عباءة السنيورة شخصيا. بدليل أنه ارتضى الانسحاب من المعركة الطرابلسية، علما أن المنازلات الفرعية تعد بالنسبة إلى بعض المطلعين على الشؤون الانتخابية مناسبة لرصد خسائر “المستقبل” في الشارع السني إذا وجدت، أي أن في إمكان جميع المعارضين للنهج الأزرق “الجديد” اقتناص هذه الفرصة.
لكن المصادر تنبه إلى أن ريفي لم يكتف بتجنيب الحريري تجرّع مرارة كأس المنافسة معه، بل أعلن تأييده ديما جمالي. وتلفت المصادر إلى أن قرار ريفي هذا قد يكون عبّد أمام جمالي طريق العودة إلى مقعدها النيابي بالتزكية ومن دون أي معركة تذكر، مشيرةً إلى أن الاتفاق الذي أبرمه الحريري مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي خلال مرحلة تشكيل الحكومة مد جمالي بجرعة دعم تتقاطع مع تلك التي بادر إليها الوزير السابق محمد الصفدي، خصوصا أن زوجته الوزيرة فيوليت خيرالله الصفدي حاضرة في الحكومة.
على أن خصوم الحريري المحسوبين على “حزب الله” لا يجرون الحسابات الانتخابية نفسها، بدليل أن “اللقاء التشاوري” السني لا يزال يتريث في الإعلان الصريح لتموضعه في الصورة الانتخابية، خصوصا أن مصالحة ريفي – الحريري بدّلت المشهد من حيث عدد الأصوات التي قد تصب في غير مصلحة رئيس الحكومة وتياره، علما أن المعطى الوحيد المؤكد بالنسبة إلى “التشاوري” يكمن في أن المرشح الطاعن في نيابة ديما جمالي، طه ناجي، هو الذي سينافس تيار “المستقبل” على المقعد الخامس.
وفي انتظار الموقف النهائي من حلفاء “حزب الله”، سيتعين على الحريري فك لغم حلفائه، آل كبارة، بثني اين شقيق النائب محمد كبارة، سامر كبارة، عن المشاركة في الانتخابات، علما أن كبارة لم يخف يوما رغبته الصريحة في المنافسة لـ”منع ديما جمالي من الفوز بالتزكية”، وذلك في لقاء من المفترض أن يجمعهما خلال الساعات المقبلة. غير أن غياب “المنافسة الجدية” في مواجهة جمالي لا يتيح لتيار “المستقبل” ترف استسهال المعركة ومفاعيلها، في انتظار ما ستؤول إليه جولات جديدة من المفاوضات.