في كل مرّة تقف فيها الساحة الداخلية على مفترق تطورات محلية وخارجية، تتجه الانظار الى “حزب الله” وكيفية مقاربته الأمور، كَونه احد اهم اللاعبين الاساسيين المتحكّمين بالمعادلة السياسية انطلاقا من تعاظم دوره الداخلي والاقليمي وفائض القوّة الذي يمتلكه.
ولعل ما يجري اليوم بين ركني التسوية “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” من حرب مصادر ومقدّمات تلفزيونية على جبهات ملفات الفساد والكهرباء والنزوح السوري يطرح علامات استفهام عن موقف “حزب الله” من الذي يحصل وما اذا كان بدأ يستشعر خطرا على حكومة “الى العمل” التي لم تُكمل بعد شهرها الثاني.
ولا يبدو ان الحزب، وفق ما يُنقل عنه بحسب “المركزية”، في وارد الدخول على خط الاشتباك البرتقالي والازرق لمؤازرة حليفه الأساسي، اقلّه في ملفين يعتبرهما جوهر اجندة عمله في المرحلة الحالية: الفساد الذي فتح معركة مكافحته ومن دون هوادة، والنزوح الذي يعتبر ألّا حلّ له الا عبر التواصل المباشر والرسمي مع الحكومة السورية، علما ان اوساط “التيار الوطني الحر” دعت، عبر “المركزية”، الى “عدم تحميل كلام وزير الخارجية جبران باسيل الاخير اكثر مما يحتمل، خصوصا ان موقفه في ملف النازحين ليس جديدا وهو يُعبّر عنه في كل مناسبة واستحقاق”، مطمئنةً الى ان “التسوية قائمة، والحكومة ستواصل عملها، ولا يجوز ان يُعتبر كل رأي مُخالف للرأي الاخر بأنه يُمهّد لسقوط الحكومة ومعها التسوية”.
وتعتبر مصادر سياسية مطّلعة، عبر “المركزية”، ان “حزب الله” “يُفضّل ان يبقى بعيدا ولا ينخرط في الاشتباك السياسي والانحياز لطرف ضد الاخر، خصوصا ان المشكل بين ركني سيبة التسوية التي يُبدي حرصا شديدا على التمسّك بها وعدم سقوطها بضربة التباينات السياسية، وتُشكّل المظلّة له، وبالتالي تؤمّن الاستقرار السياسي والامني في البلد وتُنظّم عمل المؤسسات”.
فمحاذرة “حزب الله” التدخل في اشتباك طرفي التسوية تتجاوز مسألة ضرورة المحافظة على الاستقرار الداخلي، الى جملة تطورات خارجية مُرتقبة لن يكون الحزب بمنأى عن تداعياتها.
فهناك اولا الملف السوري الذي يتقلّب على نيران احداث عدة، لعل ابرزها “الفتور” في العلاقة بين الحليفين المفترضين، الروسي والايراني، حيث التنافس على اشدّه لقضم اكبر جزء ممكن من الجبنة السورية، لاسيما ان الروسي بدأ يستشعر تقاربا لافتا بين النظام السوري وطهران يأتي على حساب مصالحه، ظهر في محطتين، الاولى حفاوة الاستقبال الذي لقيه الرئيس بشار الاسد في ايران منذ اسابيع ولقاؤه الرئيس حسن روحاني، والثانية الخميس خلال الزيارة الثانية في غضون 6 اشهر لرئيس الأركان الإيراني محمد باقري دمشق، لحضور اجتماع ثلاثي مع نظيريه العراقي والسوري هدفه “تعزيز التعاون الدفاعي والعسكري والاستشارة والتنسيق الثلاثي بين البلدان الثلاثة”، وفق ما افادت وكالات انباء تابعة لـ”الحرس الثوري”.
اما الملف الثاني اقليميا فهي الانتخابات الاسرائيلية المُقررة في 9 نيسان المقبل، والتي يترقّب “حزب الله” ومعه المنطقة نتائجها التي ستخلط اوراق قضايا عدة، ابرزها مستقبل المواجهة بين تل ابيب وطهران.
لذلك، وانطلاقا من هذه التطورات، ترى المصادر السياسية القريبة من الضاحية ان “حزب الله” “سيبقى في محطة الانتظار والترقّب الى حين اتّضاح المشهد الاقليمي، خصوصا مع الزيارة المُرتقبة لوزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو لبنان الجمعة المقبل، وما سيحمله من مواقف، لن تكون الا مكمّلة لمن سبقوه من مسؤولين اميركيين زاروا لبنان اخيرا”.