Site icon IMLebanon

تناغم بين “التيار” و”الحزب” لابتزاز الحريري

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

منذ انطلاقتها قبل نحو الشهر، تعرّضت حكومة الرئيس سعد الحريري لأكثر من هزّة سياسية، تارة على خلفية أزمة النازحين السوريين وتارة اخرى حول ما يسمى بأزمة «الفساد» المستشري، ولوحظ ان طرفي إثارة هذه الاهتزازات، هما الفريق السياسي للتيار الوطني الحر و«حزب الله» وكأن هناك تناغماً بين الطرفين لتقاسم الأدوار بافتعال هذه الهزات المبرمجة لارباك الوضع السياسي العام ووضع العصي في دواليب عربة الحكومة لابطاء حركتها واعاقة قيامها بالمهمات الصعبة المطلوبة منها ولا سيما في مساعيها الدؤوبة لتنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» وما يتضمنه من خطوات اصلاحية ضرورية وأساسية تمهيداً لانعاش الوضع الاقتصادي والانطلاق في مسيرة النهوض العامة.

وكانت البداية في زيارة وزير الدولة لشؤون اللاجئين السوريين صالح الغريب إلى دمشق قبل انعقاد الجلسة الأولى للحكومة من دون اتفاق سياسي مسبق حولها وما تسببت به من تجاذبات سياسية بخصوصها، إن كان في المواقف العالية السقف التي أطلقها رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء بداية وكادت ان تتسبب باشتباك سياسي، ثم كانت بعد ذلك الخطوات الاستعراضية المتواصلة لحزب الله في ملف صرف مبلغ 11 مليار دولار المفبرك سابقاً لاستهداف الرئيس فؤاد السنيورة والفريق السياسي الداعم له، ثم كانت المواقف الاستفزازية التي أطلقها مؤخرا رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل خلال الاحتفال بذكرى 14 آذار والتي لوح فيها بإسقاط الحكومة إذا لم تقوم بالخطوات المطلوبة لحل سريع لأزمة النازحين السوريين، منتقدا ضمناً مشاركة الرئيس الحريري بمؤتمر النازحين الذي انعقد في بلجيكا الأسبوع الماضي، ثم تناول موضوع مكافحة «الفساد» من بداية صرف 11 مليار دولار وأدعاءه بأنه أصبح قانوناً ولا يُمكن لأحد الغاءه وصولاً إلى التجاذبات القائمة حول مشكلة الكهرباء وقوله بأن حبل الكهرباء قصير وما شابه، وما تبع هذه المواقف التصعيدية بردود فعل سياسية واعلامية حادّة من قبل وسائل الإعلام التابعة لرئيس الحكومة، كادت ان تتسبب باشتباك سياسي حاد، لو لم يتراجع الوزير جبران للتخفيف من وطأة هذه المواقف ومحاولته حرفها بإتجاه آخر، بالرغم مما تسببت به من تداعيات سلبية وشحن للنفوس لدى كلا الطرفين.

فبالنسبة لمحاولة رئيس «التيار الوطني الحر» تحميل مسؤولية تعطيل عودة النازحين السوريين لرئيس الحكومة وحلفائه والادعاء بأن مؤتمر بروكسل وغيره يهدف إلى تسهيل توطين هؤلاء في لبنان، فإن مثل هذا الادعاء مغاير للحقيقة كلياً ولا يعبر عن الواقع، لأن الوزير باسيل الذي اجتمع مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك خلال الدورة العادية للأمم المتحدة منذ ما يقارب العامين تحت هذا العنوان وكل الاتصالات التي جرت علناً وتحت الطاولة مع النظام السوري، كانت كافية لتسهيل حل هذه الأزمة التي يرزح تحتها لبنان، ولو ان هناك رغبة حقيقية ونوايا صادقة ولكن كل ما يقال بخصوص حل أزمة النازحين هو من باب المزايدات السياسية لاسترضاء النظام وليس أكثر من ذلك، ولطمس حقيقة ان من يرفض عودة هؤلاء هو الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه الإيرانيون وليس أي جهة اخرى، في حين تكشف وقائع الهمروجات الإعلامية تدني نسبة من يرغبون بالعودة إلى العدم تقريباً.

اما فيما يتعلق بمسألة مكافحة الفساد ورفع راية الاستمرار بفتح ملف هذه الظاهرة وتبني طرح «حزب الله» المفبرك بهذا الخصوص، فهذا يُؤكّد بلا أدنى شك التناغم بين الطرفين لتحويل هذه المسألة إلى أسلوب استهداف وابتزاز سياسي ولو بشكل غير مباشر لرئيس الحكومة سعد الحريري، من خلال التصويب على الرئيس فؤاد السنيورة الذي يُشكّل أحد الدعامات الرئيسية والمميزة في الفريق السياسي لتيار «المستقبل» ورأس الحربة في التصدّي لكل مشاريع الهيمنة والتسلط ومصادرة سلطة الدولة اللبنانية، وكان الأجدى بالوزير باسيل قبل إطلاق مواقفه ومواقف الفريق السياسي التابع له، المباشرة بفتح ملفات الفساد خاصتهم، إن كان في الوزارات أو الإدارات التي يديرونها وفي مقدمتها مؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة التي تولى مهماتها لسنوات وسنوات طويلة وما يزال وزير الظل فيها لتبرير كيفة صرف مئات الملايين من الدولارات وحتى الميارات، معظمها من دون حسيب أو رقيب من دون أي تقدّم ملحوظ في تحسين مستوى تزويد المواطن بالتيار الكهربائي بالرغم من الوعود التي قطعها امام الرأي العام بأن هذا التيار سيكون مؤمناً 24 ساعة على 24 في العام 2014، ولكن كل ذلك لم يتحقق وعادت الأمور إلى الوراء هذه الأيام وبعد خمس سنوات. فكيف يكون حبل الكهرباء قصيراً؟ كما قال، بل انه اطول بكثير كما هو الواقع.

فكيف يثق المواطن بما يقوله إذا استمرت المواقف والادعاءات والبطولات الدنكشوتية في مثل هذه المناسبات على هذا المنوال، في حين ما يحصل على أرض الواقع يناقض كلياً هذه الاقاويل.

فإذا كان يعتقد الوزير باسيل وفريقه السياسي وحليفه «حزب الله» انه بمثل هذه الأساليب الابتزازية والاستمرار بإثارة مثل هذه الاهتزازات السياسية على هذا النحو منذ بداية تشكيل الحكومة، لاستهداف الحكومة ورئيسها والحصول على الامتيازات والتنازلات في الملفات الإقليمية والملفات الحسّاسة داخلياً، والتهويل دائماً بإسقاط الحكومة تحت هذه الشعارات والعناوين، فإن مثل هذه الأساليب المعروفة العناوين والأهداف لن تبقى أثارها محصورة باضعاف الحكومة وابطاء حركتها فقط، بل ستنال شظاياها واضرارها العهد خصوصاً في النهاية، لا سيما وان مماحكات وطموحات باسيل في تأليف الحكومة الحالية اضاعت تسعة أشهر من عمره دون طائل وإذا استمرت اساليبه ومعاركه على هذا المنوال فسيكون العهد المتضرر الأكبر منها.