كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
مبدئياً، الجميع مستعدّ للجلسة غداً. لا مصلحة لأحد في التعطيل. في الشكل على الأقل، وكُرمى لعيون المال المُنتظر من «سيدر»… بفارغ الصبر، سيحافظ الجميع على هذه الحكومة. وقريباً سيعود الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان، وسيقول لهم: «المهلة تكاد تنتهي. أين موازنة 2019 لنعرف ماذا ستفعلون وماذا سنفعل؟ وماذا حلَّ بالفساد وملفّاته؟».
الأرجح، أنّ وراء «البَهْوَرات» الجارية دافعين. هي إما لرفعِ سقف التفاوض قبل ورشة التعيينات والمشاريع الدسمة. وإما لتوجيه رسائل سياسية متبادلة، مطلوبة داخلياً وخارجياً. والجميع يعرفون ذلك، لكنهم ينخرطون في المسرحية. وإمّا تسوية 2016 فلا مصلحة لأحد في إسقاطها.
لذلك، سأل البعض: واقعياً، لماذا لوَّح الوزير جبران باسيل بتطيير الحكومة؟ هل يريد ذلك فعلاً؟ وأساساً، هل هو يمتلك القدرة على القيام بذلك إذا أراد؟ وفي عبارة أوضح، هل يحظى تكتل «لبنان القوي» فعلاً بـ«الثلث المعطِّل» في الحكومة، أي 11 وزيراً؟
خلال عملية تأليف الحكومة، لم يوفِّر فريق رئيس الجمهورية ميشال عون أي وسيلة للحصول على غالبية «الثلث المعطِّل» أو «الضامن». واستطاع أن يحظى بموافقة الرئيس سعد الحريري من خلال اتفاق شامل بين الطرفين. لكن الثنائي الشيعي فاجأ الحريري وباسيل، و»حَشَرَهما» بفرض وزير سنّي حليف لـ«حزب الله»، عندما ابتدع صيغة «اللقاء التشاوري».
استمرَّ التعثُّر أسابيع بسبب أزمة الوزير السنّي. ولكن، في العمق، المأزق الحقيقي لم يكن مع الحريري بل مع باسيل. فتسمية الوزير المُنتظر تَحْرمه من فرصة التنعُّم بالثلث المعطِّل على مدى 4 سنوات، وتالياً تَحْرم رئيس الجمهورية من ممارسة الدور الفاعل الذي يطمح إليه حتى نهاية العهد.
في النهاية، في ظل الأزمة الحكومية، وصل البلد إلى حافة انهيار اقتصادي ومالي ونقدي. فسارع الجميع إلى التوافق على صيغة معيّنة، تحت الضغط، بهدف الاستفادة من فرصة الإنقاذ الوحيدة، أي مؤتمر «سيدر». وسُمِّي الوزير حسن مراد. لكن التسمية جاءت ملتبسة.
بدا مراد أشبه بلوحة «الموناليزا» التي تختلف تفسيرات ملامحها وفقاً للناظر إليها. فهو يمثّل في آنٍ معاً «التيار الوطني الحرّ» و«اللقاء التشاوري»، أي «حزب الله». ولكن، كلٌّ من الطرفين حاول تظهير الأمر على أنه انتصار له، وأن له في حسن مراد أكثر من سواه.
أعلن باسيل أنه حقَّق الهدف وتمّ تمثيل «التكتل» بـ11 وزيراً. واعتبر أنّ مراد داخل «التكتل» له وضعية ممثّل حزب «الطاشناق»، وقال: «لدينا في الحكومة شخصيات مستقلة، وحزب الطاشناق و«اللقاء التشاوري» الذي له خصوصيته ووضعيته».
طبعاً، في الجانب الآخر، أوساط «حزب الله» و»التشاوري» لم تقتنع بالفكرة، وأكّدت أنّ مراد يشارك في اجتماعات «التكتل» عموماً، لكن قراراته في الملفات المهمّة يتخذها بناءً على قرارات «اللقاء التشاوري» لا سواه.
مفاجأة باسيل جاءت سريعة، ومن مكان آخر. فقد أعلن أنّ وزراء التكتل وضعوا استقالاتهم في تصرّف رئيس الجمهورية ليحسم بها إذا ما تلكأوا عن أداء واجباتهم. واستثار هذا الإعلان تكهنات مختلفة حول عدد الذين تقدَّموا باستقالاتهم، وهل هم 11 وزيراً، أي هل إنّ الوزير مراد هو في عِداد هؤلاء؟
مصادر «التشاوري» جزمت يومذاك أنّ الرجل لم يتقدّم بأي استقالة. وتحدثت مصادر أخرى عن أنّ عدد «المستقيلين سلفاً» من داخل التكتل هو 9.
وتالياً، ليس العدد كافياً لإسقاط الحكومة. ويبقى على فريق رئيس الجمهورية أن يجمع صوتاً أو اثنين لتكوين نصاب الثلث زائداً واحداً. أي أنّ باسيل يحتاج على الأقل إلى مراد أو أي بديل آخر.
ويجري التداول بأسماء وزراء مستقلين آخرين- من خارج «التكتل»- يمكن أن يصوِّتوا إلى جانب عون وفريقه السياسي، وهم قلائل، ومنهم مثلاً الوزيرة فيوليت الصفدي. لكنها محسوبة ضمن حصّة الحريري. ويستبعد المطلعون فرضية أن تُصوِّت مع «التكتل»، لأن لذلك تردّداته السياسية.
يمكن القول إنّ قدرة باسيل على جمع 11 توقيعاً ممكنة ومستحيلة في آن معاً. فمراد يتجاوب مع باسيل إذا كان «حزب الله» يأذن له بذلك، أي إذا كان «الحزب» راغباً في الوقوف إلى جانب باسيل. لكن مراد لن ينخرط في المغامرة إذا كانت لا ترضي «الحزب».
وإضافة إلى مراد، هناك وزير شؤون النازحين صالح الغريب. فهو، على الأرجح، يَعتبر التفاهم مع «حزب الله» على أي خطوة من الأولويات. ومن الصعب أن يتخذ موقفاً يعاكس توجهاته.
في الخلاصة، إنّ قدرة باسيل على جمع الثلث المعطِّل مرتبطة بـ«حزب الله». فإذا وجد «الحزب» أنّ التوقيت مناسب لإسقاط الحكومة، يعطي الضوء الأخضر لـ«وزيرٍ ملكٍ» واحدٍ أو أكثر للانضمام إلى باسيل، وإلاّ فالباب يبقى مقفلاً أمام أي محاولة.
وأساساً، ليست في الحكومة الحالية غالبية واضحة. هناك غالبية تضمّ قوى 8 آذار و«التيار» قادرة على جمع 18 وزيراً من أصل 30. وهناك غالبية «مطّاطة» بين القوى المختلفة سياسياً في مسائل الفساد والمشاريع والتعيينات.
وهناك «تَجَمُّع» 14 آذار وجنبلاط (12 وزيراً) في الملفات المتعلقة بسوريا. وهناك احتمال حصول تحالفات معينة بين القوى المسيحية المتعارضة حول مسائل تعني المسيحيين عموماً.
وفي الموازاة، هناك قدرات متباينة لكل طرفٍ أو تحالف على إسقاط الحكومة أو تعطيلها: الحريري يُسقطها إذا استقال لأنه رئيسها. «الثنائي الشيعي» يُسقِطها بالانسحاب وتطيير «النصاب الميثاقي». وأما «التيار» فلا يمتلك هذه ولا تلك، إلا إذا تحالف مع قوى أخرى، ولا سيما منها «حزب الله».
وإلى أن يصبح خيار إسقاط الحكومة مقبولاً لدى الجميع، هو سيبقى مجرَّد تهويل للاستخدام السياسي، لا أكثر. وسيعود الجميع إلى الانتظام في الصفِّ الحكومي… شكلاً على الأقل، لأنّ نداء المساعدات الآتية من «سيدر» يعلو ولا يُعلى عليه!