كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
وضعت قيادات ومرجعيات مسؤولة وسياسية رئيس الحكومة سعد الحريري تحت المجهر، منذ عودته من زيارته الاخيرة للمملكة العربية السعودية حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وهو لقاء أُعلن عنه رسمياً، وكذلك التقى ولي العهد الامير محمد بن سلمان وهو لقاء لم يُعلن عنه، وتفاوتت المعلومات عن المدة التي استغرقها.
وتراقب هذه القيادات والمرجعيات مواقف الحريري وتصرفاته، محاولة المقارنة بين ما كانت عليه قبل زيارته الرياض وما صارت بعدها، وذلك لكي تبني على الشيء مقتضاه واستقراء مستقبل العلاقة بين الحريري ومختلف القوى السياسية وكذلك مستقبل الوضع السياسي، خصوصاً بعدما شاع انّ القيادة السعودية مَحضت رئيس الحكومة اللبنانية دعماً ملحوظاً سواء على مستوى موقعه داخل بيئته، او على مستوى موقعه في هرم السلطة، او على مستوى مستقبل العلاقة بين الدولتين اللبنانية والسعودية والذي سيترجم لاحقاً خطوات عملية في ظل التحضير لاجتماعات اللجنة العليا اللبنانية – السعودية التي ستنعقد في وقت ليس ببعيد في الرياض.
وأدرج بعض الذين اطّلعوا على نتائج زيارة الحريري للرياض، في إطار استكمال التنسيق بينه وبين ولي العهد السعودي في ضوء اللقاءات التي تنعقد بينهما من وقت الى آخر، وأكّدوا انه «كان هناك بحث مشترك في مصلحة البلدين، وأنّ ولي العهد السعودي يدعم الحريري ويتفهّم مواقفه كذلك يتفهّم وضع لبنان وخصوصيّته، ويدرك أنّ مواقف الحريري تأتي ضمن سياق عام في المنطقة، وانّ المرحلة فيها مناسبة بالنسبة الى مستقبل الحكومة».
ويضيف هؤلاء: «انّ المرحلة الراهنة تشهد تراجع المحور الآخر الذي يعاني الآن صعوبات اقتصاديّة وسياسيّة، وهو محشور في ظروف صعبة وبات يتحسّس من أي موقف يصدر عن الحريري، فيما الرجل يعمل بنهج وطني بمعزل عن نتائج ما يجري في الإقليم. وهذا النهج ـ الموقف هو لمصلحة لبنان، وعلى عكس تصرّف الآخرين. إذ على رغم من الأجواء السائدة في المنطقة والتي بدأت تتحوّل مريحة له، فإنّه لا يواجه «المحور الآخر» الذي يريد أخذ لبنان الى مكان آخر. فتراه، أي الحريري، يعمل وفق مشروع لإبقاء لبنان في الإطار العربي دولة فاعلة بما يحقق تطلّعات الشعب اللبناني».
ويختم هؤلاء «انّ الحريري، وعلى رغم من ارتياحه الى الوضع الإقليمي وقوّة العلاقة التي تربطه بالمملكة، يبدو أعقل من أن يوظّف هذين الأمرين بطريقة فجّة في الداخل اللبناني».
على انّ الحريري، ومنذ عودته من الرياض، يقرأ في البيان الوزاري للحكومة ويتحدث على وجوب أن تُنجِز، ويتكتم على نتائج زيارته السعودية. او هو على الأقل، يُبدي ارتياحه لنتائجها من دون أن يكشف أي تفاصيل امام القريبين منه والبعيدين، وإن كان البعض يردد «انّ الحريري ما بعد زيارته السعودية هو غير ما كان قبلها».
وفي هذا السياق لم يستبعد هؤلاء ان يكون أحد أبرز غايات رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من رفع لاءاته الثلاث (النازحون والكهرباء والفساد) التي انطوت على تهديد مبطّن بإسقاط الحكومة بنصاب «الثلث المعطّل»، استدراج الحريري الى كشف المستور عمّا عاد به من الرياض، واستبيان ما اذا كان ما زال متمسّكاً بالتسوية الشهيرة التي جاءت به الى رئاسة الحكومة وبالرئيس ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وهي تسوية يريدها باسيل مُستدامة لتصل به الى رئاسة الجمهورية، أم أنه خرج منها بفعل الدعم الذي حظي به، خصوصاً انّ هذه التسوية لم يكن مرحّباً بها كثيراً لدى حلفائه في الداخل والخارج، وقيل يومها (في خريف 2016) انّ هؤلاء الحلفاء قالوا له «إنهم يحترمون خياره، ولكن عليه ان يتحمّل وحده المسؤولية والنتائج التي تترتّب على هذا الخيار، فإذا نجح سيرحّبون واذا فشل سيتحمل المسؤولية من دون سواه».
محاولة باسيل استدراج الحريري لكشف «مكنوناته» بعد زيارته الرياض لم تنجح على الأرجح، فالأخير أدركَ الغاية من «اللاءات الباسيلية»، وردّ عليها متمسّكاً بمسؤولياته وصلاحياته، على رغم من انه اتهم باسيل عبر «لغة المصادر» بمحاولة الانقلاب على التفاهم الذي أنتج الحكومة بوَحي «التسوية الرئاسية» الشهيرة.
ويسجّل البعض للحريري أنه استفاد قبل زيارته الرياض من جو «التضامن» الذي نشأ في بيئته حول الرئيس فؤاد السنيورة، على أثر طرح موضوع مكافحة الفساد وعودة الحديث عن ملف مبلغ الـ 11 مليار دولار «الضائع» أيام حكومة السنيورة، الذي تضامن معه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان واعتبره «خطاً أحمر».
كذلك تمكن الحريري بعد عودته من الرياض، من استنهاض بيئته وشارعه الى حد مقبول، حيث استتبع زيارته السعودية بمصالحة بينه وبين اللواء اشرف ريفي رعاها السنيورة، ما جعله يعتقد انه سيخوض انتخابات طرابلس الفرعية في نيسان المقبل ضامناً إعادة انتخاب مرشحة تيار «المستقبل» ديما الجمالي، التي طعن المجلس الدستوري بنيابتها في المجلس الدستوري.
ويعتقد البعض انّ الحريري لن يتوانى عن السعي دوماً لزيادة رصيده الشعبي والسياسي حريصاً على البقاء رئيساً للحكومة الى أمد طويل، مُحاذراً الدخول في اي مشروع لا يخدم موقعه أو يؤدي الى إسقاط الحكومة.
بمعنى آخر لن يقدم الحريري يوماً على الاستقالة، وسيكون حريصاً على عدم إعطاء اي فرصة للآخرين لكي يسقطوا حكومته باستقالة الثلث المعطّل (11 وزيراً) كما حصل لحكومته مطلع 2011، وهو ثلث لا يمكن تركيبه إلّا بفعل ظروف وحيثيات ينبغي ان يلتقي عليها المعنيون، وتحديداً «التيار الوطني الحر» وحلفائه وعلى رأسهم «حزب الله» الذي لا يبدر منه اي موقف أو إشارة تدل الى انّ له مصلحة في رحيل الحكومة، خصوصاً أنه فتح معركة مكافحة الفساد وبدأ يستقطب الآخرين إليها.
لكنّ الحريري الطامح لإقامة طويلة في السراي، يخشى من تعرّضه لضغوط بعض القوى والقيادات الطامحة للوصول الى رئاسة الجمهورية. وهنا يقول البعض انّ «لاءات باسيل» في وجه الحريري قد تكون أحد الوسائل التي بدأ باسيل يستعملها لاستمالته الى جانبه ليتبنّى ترشيحه لرئاسة الجمهورية في استحقاق 2022، علماً انّ كثيرين لا يخفون انّ باسيل لن يتوانى عن اغتنام اي مناسبة في الداخل والخارج لتسويق ترشيحه للرئاسة، وإن كان ينكر ذلك في بعض الاحيان مثلما فعل في عطلة نهاية الاسبوع الماضي.
ولكن، حسب المعلومات، فإنّ الحريري ومعه كل القوى السياسية الناخبة والوازنة في الاستحقاق الرئاسي المقبل لم يحسموا اي خيارات رئاسية بعد. أولاً، لأنّ هذا الاستحقاق ما زال بعيداً، وثانياً لأنّ الواقع سنة 2022 سيكون بالتأكيد غير ما هو الآن داخلياً واقليمياً ودولياً.
فإذا كان البعض «يستعجل رزقه» من الآن، فإنّ هناك من لم يستعجله بعد الّا قبَيل موعد الاستحقاق الرئاسي، ذلك انّ الرئيس المقبل سيتم اختياره على وقع مصير الأزمات التي يعيشها الاقليم، وتعمل مطابخ القوى الدولية على معالجتها.