تقول مصادر سياسية معنية بملف النازحين السوريين لـ “الحياة” إن إصرار فريق “التيار الوطني الحر” وقوى 8 آذار على علاقة حكومية لبنانية سورية، مقابل اكتفاء الفرقاء الآخرين (“المستقبل” و”القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”) بالعلاقة القائمة حالياً عبر سفيري البلدين وعن طريق التفويض الرسمي للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بالتواصل مع دمشق، جعل مسألة العلاقة مع النظام تتقدم على تسليم كل الفرقاء بوجوب تأمين العودة، وبالتالي على البحث بسبل تنفيذ خطة للعودة التدريجية.
ويشدد مصدر وزاري لـ “الحياة” على أن الحد الأدنى من التفكير الواقعي يؤكد أنه لا يمكن للبنان أن يعيد زهاء مليون ونصف المليون نازح ضمن فترة قصيرة، لأن الأمر يرتبط بالوضعين الميداني والسياسي في سوريا، وبالمجتمع الدولي الذي يفترض أن يمول ذلك، وأن على القوى التي تريد تسريع العودة الكف عن جعل هذا الملف خلافيا يلهي الدولة عن الهدف الحقيقي، لأن استمرار التخبط بين رأيين، يشل قدرة الدولة على التحرك نحو هذا الهدف.
ويلفت المصدر الوزاري نفسه إلى أن من الخطوات العشوائية التي تتخذ قيام بلدات وقرى بتفكيك مخيمات للنازحين، مستعينة بقوى أمنية محلية، بحيث ينتقل هؤلاء النازحين إلى مناطق أخرى، فلا تعلم الدولة اللبنانية وأجهزتها وجهتهم وفي أي مناطق باتوا، حتى تتمكن من متابعة وضعهم، لا سيما على الصعيد الأمني.
وتؤكد المصادر أن هذا الأمر حصل في منطقة البترون في الأيام القليلة الماضية، وتحديداً في بلدة كبا، على أن يتم إخلاء نازحين يقطنون في 3 بلدات بترونية أخرى نهاية هذا الأسبوع أيضاً، لأن المواطنين اللبنانيين في هذه القرى يشكون من وجودهم. ويعتقد المصدر الوزاري أنه إذا كان مفهوما أن أهالي هذه القرى لم يعودوا قادرين على احتمال النزوح، فإن انتقال النازحين من دون تأمين أماكن بديلة لهم يخلق مشكلة أخرى حول الوجهة التي سلكوها، وهذا يزيد من فوضى انتشارهم الذي حصل في البلد منذ بداية تهجيرهم، نتيجة عدم تنظيم وجودهم في أماكن محصورة، ما فاقم أضرار عشوائية هذا الانتشار على الصعد كافة.
وتقول مصادر رسمية لـ “الحياة” إن لبنان محكوم بالتعايش مع الأزمة عبر خفض الأضرار، لأن ظروف العودة صعبة على رغم التطورات الميدانية في سورية. وتستند هذه المصادر إلى تقارير ديبلوماسية عن أنه حتى المبادرة الروسية لإعادة النازحين تعثرت وانخفضت اندفاعتها، ليس فقط بسبب التعقيدات التي تواجه الحل السياسي للأزمة، والذي كان يجب أن يشهد تقدما بعد سيطرة قوات النظام السوري على مناطق واسعة بسبب القوات الروسية والإيرانية و”حزب الله”، بل أيضا بفعل تدهور الوضعين الاقتصادي والمعيشي والأمني في هذه المناطق.
وتشير المصادر نفسها ل”الحياة” إلى أن النظام السوري لا يرغب بعودة النازحين لأنه غير قادر على استيعاب حاجاتهم الأساسية إذا عادوا ولأن لا إمكانية لديه لتأمين ظروف العيش بالحد الأدنى لهم.