كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:
بين «عودة آمنة» و«عودة طوعية»، يتحوّل النازحون السوريون الى سبب اضافي لانقسام داخلي، لا يفضي سوى الى خلاصة يتيمة: لا الانقسام سيتبدد، ولا النازحون سيعودون.
الاهم في مقاربة الملف الشائك، المستمر من عمر الحرب السورية، ان الجدل من حوله انتقل من التباين في التعريفات، الى تباين في الموقف مما يدور مع سوريا اكثر منه ما يدور على ارضها. عنوان رئيسي لهذا التباين: تطبيع او لا تطبيع.
قبل اشهر، مع تنظيم الامن العام عودة المجموعة الاولى من النازحين، اثيرت علامات استفهام حيال المهمة الرسمية التي ناطها رئيس الجمهورية ميشال عون بالمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وهي التنسيق مع السلطات السورية المختصة لاتمام العودة. الافرقاء المناوئون للنظام السوري شككوا في القناة الجديدة، وغالوا في انتقادها وبينهم مَن رفضها، الى ان اضحوا في الفترة الاخيرة اكثر ميلاً الى تبريرها. سلّموا بضرورة استمرار قناة اللواء ابراهيم كي يتمسكوا برفض اي اتصال سياسي بنظام الرئيس بشار الاسد.
يعزو اللواء ابراهيم التنسيق الامني مع سوريا الى ابعد من المرحلة الحالية: «منذ ما قبل الحرب السورية، لم ينقطع ما بين الامن العام والاجهزة الامنية الموازية في سوريا، لكنه صار لاحقاً اكثر الحاحاً بعد اندلاعها، وصعود موجة الارهاب والتطرف. لم يبدأ التنسيق الامني مع النزوح، بل يصعد الى سنوات طويلة. طبيعة عملنا آلت الى استمرار هذا التنسيق ومضاعفته بعد تدفق اعداد هائلة من النازحين السوريين قاربوا نحو مليونين. نحن مسؤولون عن العبور من سوريا واليها، وكذلك هو دور الاجهزة السورية.
هذا التنسيق اداري يختص بالعبور، وامني بمكافحة اي اخلال بالامن او ارهاب. زوّدنا السوريون معلومات وفيرة عن اعداد كبيرة من الارهابيين عبروا الحدود الى الداخل اللبناني، وبفضلها نجحنا سواء سمّى البعض ذلك تطبيعاً او فتح قنوات. ما يهمنا هو ما توصلنا اليه من نتائج اساسية في المواجهة مع الارهاب، فارتدّت ايجاباً مع لبنان. الخلاف السياسي حيال ملف النازحين لست معنياً به، لأن عملي تقني محض. كلفني فخامة الرئيس المهمة، والمسؤولون الآخرون جميعاً على علم بهذا التكليف. لم يعترض احد يوماً على قناة التواصل الامنية التي اقودها».
يضيف: «ثمة توجهان حيال عودة النازحين التي يريدها الافرقاء جميعاً، لكنهم يختلفون على المقاربة. هناك مَن يقول بالعودة الآمنة ما دامت اضحت مناطق آمنة في بلادهم ما يحتم عليهم العودة اليها. العودة الآمنة قد لا تكون طوعية. كأن يقول اصحاب هذا الرأي ان دمشق ومحيطها آمنان، ما يوجب على النازحين منهما العودة اليهما شاؤوا أم ابوا. الرأي الآخر يتحدث عن عودة طوعية وفيهم مَن يربطها بالحل السياسي للحرب السورية التي لا يسع احد التكهّن بموعد الوصول اليه. قد يكون بعيداً، لكنه حتماً ليس قريباً في ضوء المعطيات التي تحوط في هذا الوقت بمسار هذه الحرب. كما هو بادٍ غير ناضج تماماً. ذلك هو مصدر اللغط القائم، وتداخلت فيه المواقف السياسية. انا استخدم عبارة العودة الطوعية التي هي ارادية، تفادياً لاستفزاز المجتمع الدولي، بل مراعاته والنازحين انفسهم».
يقول ايضاً: «هذا التعبير الذي اعنيه – ويرتبط حصراً بعودة طوعية منبثقة من العودة الآمنة لكن غير المرتبطة بالحل السياسي – هو الاكثر ملاءمة ومرونة ويجنبنا اي انتقاد، وهو ايضاً اكثر شمولاً. مَن لا يريد العودة الى بلاده لا يمكننا ارغامه عليها. بل عليه ان يتيقن هو بالذات من زوال هواجسه ومخاوفه، من وفرة الاشاعات الرائجة، ويقتنع بأن رجوعه الى بلده وقريته لا يعرّضه الى اي اذى. يجب ان لا ننسى اننا، في الامن العام، جعلنا المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR شاهداً على القوافل العائدة الى سوريا. يحضر ممثلو المنظمة الى اماكن تجمّع الباصات ويتحدثون مع النازحين، ويتأكدون منهم انهم يريدون ارادياً العودة الى بلادهم من دون اي ضغط يمارس عليهم. عندما نربط العودة الطوعية بالحل السياسي، يعني ان احداً من النازحين لن يعود. وفّرنا لهم 17 مركزاً على كل الاراضي اللبنانية لتسجيل الراغبين في العودة، على الاثر نتواصل مع السلطات السورية التي تؤمن لهم باصات لنقلهم الى الداخل السوري. من هناك يتوجهون الى مساقطهم وبلداتهم».
يميز اللواء ابراهيم بين المفهوم الامني للعودة الطوعية والمفهوم السياسي، ويرى ان الجدل الناشب من حولهما مرتبط بخلافات سياسية في ملف «يقتضي ان نقاربه على انه مسألة تقنية – وهو ما يفعله الامن العام – وليس سياسية لئلا نتسبب في تعطيله. ربما يأتي يوم لا يحضر اي نازح الى مراكزنا لتسجيل اسمه للعودة. لا يعني ذلك اننا سنذهب اليه لارغامه على العودة. المسألة ارادية تقنية. ليست سياسية».
يتوقف عند الاشاعات الرائجة عن «تخويف» يقوم به النظام السوري لمنع عودة مواطنيه تحت طائلة ترهيبهم وملاحقتهم، الا انه يضيف: «سمعنا الكثير في الفترة الاخيرة الى حد القول بوجود اعتقالات، بل اعدامات وما سوى ذلك. لا يسعني التأكيد ولا النفي. طلبت من اصحاب هذه المعلومات ان يزودنا معطيات حسية بذلك، كي نراجع السلطات السورية ما دام الامن العام هو الجهاز المكلف تنظيم عودة هؤلاء والتواصل مع دمشق. لا علم لي، ولم اتبلغ يوماً بحصول ملاحقة او مضايقة او زج في السجون للعائدين من طريقنا».
يقول اللواء ابراهيم: «في الفترة الاخيرة كان المفوض السامي فيليبو غراندي في سوريا. مكث هناك ثلاثة ايام وتفقد عدداً من السوريين العائدين، واخبرني عندما زارني الاسبوع الماضي انه لم يسمع شكاوى منهم عن مضايقات. الاقبال على تسجيل الاسماء في مراكزنا طلباً للعودة، دليل اضافي على عدم صحة ما يشاع. هو اقبال طوعي مرتبط ايضاً بالتواصل بين النازحين الذين رجعوا الى بلادهم وبين اولئك الذين لا يزالون في مخيمات لبنان. وهو ما لمسناه منذ الدفعة الاولى للنازحين في شبعا الذين قصدوا بيت جن، وتواصلوا لاحقاً مع آخرين كانوا لا يزالون في شبعا، ما ادى الى تنظيم دفعة ثانية.
ذلك هو مقياس العودة الطوعية. حتى الآن نجحنا في اعادة 13 الف نازح خلال سنة على نحو منظم، يتواصلون مع المقيمين في لبنان، ولم نسمع شكوى او تذمراً او مخاوف. العائدون في مجملهم تجاوزوا 171 الف نازح، بينهم الذين سوّينا وضعهم القانوني في لبنان، كالذين ابدوا رغبتهم في العودة وكانوا دخلوا خلسة او لم يسددوا رسوم اقامتهم. سمحنا لهم بالعودة الى سوريا دونما تسديدهم الغرامات، في مقابل شرط فرضناه عليهم – بازاء تسوية اوضاعهم القانونية – هو ان لا يعودوا الى لبنان خلال خمس سنوات. هو السبب الرئيسي لارتفاع عدد العائدين الى 171 الفاً خلال سنة واحدة. عندما نظمنا في المرحلة الاولى عودة 13 الف نازح الى سوريا، حصلنا من سلطاتها على ضمانات بعدم التعرّض اليهم».