افتتح رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل ندوة “أي مستقبل للصحافة اللبنانية؟” التي نظمتها مؤسسة “بيت المستقبل” بالتعاون مع كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية- الفرع الثاني، في مبنى الكلية في سد البوشرية، وشارك فيها عميد الكلية الدكتور جورج صدقة، الوزير السابق ملحم الرياشي، رئيس تحرير صحيفة “اللواء” صلاح سلام، الناشر والإعلامي مالك مروة، والإعلامي بشاره شربل. وحضرها النائب إدي أبي اللمع ومدير الكلية الدكتور هاني صافي ومديرو كليات ودكاترة واساتذة واعلاميون وطلاب.
وقال الجميل: “لن أستبق مداخلات ومناقشات الدكاترة المشاركين في هذه الندوة عن “أي مستقبل للصحافة اللبنانية” في هذه الظروف لانتشال ليس فقط الصحافة بل لبنان من المستنقع الخطير الذي يغرق فيه. فحساسية هذه المسألة عند اللبنانيين تعود إلى أسباب عدة، أهمها العلاقة التي تربط لبنان واللبنانيين بالصحافة حتى قبل نشوء الكيان اللبناني في العام 1920، كما الدور الذي لعبته في الداخل أو في الخارج، لجهة الرسالة التحديثية التي نشرتها في المنطقة والنهضة الفكرية والثقافية التي دفعت بها. ولا بد من أن نذكر أن وراء النهضة العربية الحديثة، العابرة لحدود الأقاليم، كانت نخبة لبنانية مثقفة أمثال سليم وبشارة تقلا، مؤسسي جريدة “الأهرام المصرية”، ورئيس تحريرها لعقدين تقريبا، أنطوان باشا الجميل. وأهمية الصحافة اللبنانية، أنها كانت تجسيدا لحقيقة: أن كيانية لبنان متلازمة مع الحرية. ومبدأ الانفتاح والديموقراطية وقبول الآخر”.
وأضاف: “صحيح أن مسار الصحافة اللبنانية واجه في تطوره معضلات كثيرة: أبرزها حرية التعبير التي بلغت أوجها في العهد العثماني مع إعدام جمال باشا يوم 6 أيار من العام 1916 لعدد من الصحافيين أصحاب القلم الحر، وصولا إلى شهداء الحرية بين الصحافيين في تاريخ لبنان الحديث من فؤاد حداد ونسيب المتني وكامل مروة مرورا بسليم اللوزي ورياض طه، وصولا إلى سمير قصير وجبران التويني. ومع ذلك قاومت وتمكنت ليس فقط من الصمود بل أيضا التطور والازدهار والمدافعة عن الحق الإنساني، إنما لم تصل مصاعبها إلى المستوى التي وصلت إليه اليوم حيث تشابكت لتشمل جوانب عدة، من هجمة التكنولوجيا الحديثة التي غيرت مفهومي الإعلام والإعلامي، إلى العائق المالي والاقتصادي إلى البيئة السياسية والاجتماعية التي لا نبالغ إذ نقول إنها أصبحت طاردة للأقلام الشجاعة الحرة مثل استدعاء الصحافيين”.
وتابع: “وإذا أردنا أن نكون واقعيين، لا بد لنا من الاعتراف أن كل هذه الأسباب مجتمعة ما كانت لتؤثر في الصحافة كما فعلت لو أنها بقيت كما عهدناها. قامت الصحافة اللبنانية على أكتاف جبابرة وعقول نيرة وحكيمة ونفوس حرة أبية، تميزوا بتهذيب الكلمة والمعرفة الشاسعة وما تتطلبه المهنية من موضوعية واستقلالية وجرأة. كانت الصحافة حرة وليست مأجورة، وكانت رسالة سامية قبل أن تكون تجارة.
وختم: “يبقى أنني على قناعة بأن كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية قادرة على تشخيص الواقع المرير الذي تعيشه صحافتنا اليوم، وما يعاني منه الصحافيون اللبنانيون من صعوبات على أنواعها، وأن هذا المؤتمر قادرٌ أن يجترح الحلول التي من شأنها أن تنهض بصحافتنا من جديد، وتعيد لها بريقها وحضورها وانتشارها ورسالتها”.
من جهته، أكد صدقة أن “كلية الاعلام هي مقلع الحرية في لبنان والعالم العربي، وإذا انتفت الحريات الإعلامية في بلدنا تفقد كلية الإعلام دورها ورسالتها”.
ولفت إلى أن “وسائل الإعلام هي إحدى ركائز الحريات، ومنبر للرأي وسلطة رقابية على السلطات الأخرى، وباتت تعاني جملة أزمات منها: أزمة الصحافة الورقية التي تنحسر وتضعف، وهنا نسأل هل الصحافة الورقية ضرورة اجتماعية ام يمكن استبدالها بالصحافة الرقمية؟ أزمة تمويل والسؤال هو هل يمكن للإعلام ان يكون حرا ان لم يكن مستقلا ماديا. وازمة القوانين المعمول بها والتي لم تعد صالحة لمواكبة تطور وسائل الاعلام ودورها، فقانون الصحافة الورقية الذي يعود الى اكثر من نصف قرن مسؤول في جزء منه عن انهيار الصحافة وقانون المرئي والمسموع وزع الرخص حصصا على الأحزاب السياسية والطائفية. وهناك ايضا ازمة تراجع حرية الإعلام امام ممارسات السلطة السياسية كمثل استدعاء الصحافيين وناشطي حرية الرأي امام محكمة الجنايات لا محكمة المطبوعات، ويكفي ان نرى تراجع مؤشر الحريات في لبنان في تقارير المنظمات الدولية المتخصصة كي نستنتج حجم تراجع حرية الرأي”.
وختم: “اخيرا تطالعنا ازمة الممارسة المهنية وتراجع الاداء المهني والاخلاقي وهنا دورنا ككلية الاعلام، فمضامين الصحافة لم تعد كما عهدناها في السابق، وتراجعت أخلاقيات المهنة على حساب الإثارة والترويج والدعاية الممنهجة، هذه الأزمات لا تهدد دور وسائل الإعلام فسحب بل مكانة لبنان الثقافية وروحية نظامنا السياسي الذي قام دوما على مبدأ الحرية”.