كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
يبدو أن الحكومة التي ولدت بعد مخاض عسير امتد إلى تسعة أشهر، مكتوب لها التعثر مع بداية اقتراعها، والظاهر أنه لولا العيب والحياء لكانت الخلافات التي بدأت تطفو على سطح العلاقة بين مكونات هذه الحكومة، قد اعادتنا بسرعة قياسية إلى مرحلة الاشتباكات السياسية وفرملة العمل الحكومي.
وما يُعزّز هذا الاعتقاد العودة المبكرة لسياسة «الترقيع» للحفاظ قدر الإمكان على عمر الحكومة الذي لم يتجاوز بعد الشهرين، لعلم المعنيين بأن أي خلل يصيب هيكلها لن يكون من السهل ترميمه أو إعادة تأليف حكومة جديدة، سيما وأن الاجواء التي رافقت التأليف لم تكن مشجعة على الإطلاق، وجعل أولياء الأمر يتمنون أن يكون عمر حكومة «إلى العمل» يوازي ما بقي من سنوات من عمر العهد، كي لا يعودوا ويقعوا في تجربة التأليف مجدداً.
المعطيات السياسية تؤكد أن الكثير من الألغام تنتظر الحكومة التي يحاول أقطابها المحافظة عليها برمش العين لاعتبارات داخلية وخارجية، ومن بين هذه الألغام التي توجد صعوبة كبيرة في تفكيك صواعقها تلك التي ستظهر مع مقاربة ملف الكهرباء، والتعيينات، والمناقصات والنزوح والعلاقة مع سوريا، وما إلى هنالك من ملفات واستحقاقات لا تحظى بتفاهمات مسبقة حولها. ويصح القول أن زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية في غضون الساعات المقبلة إلى بيروت قد ساهمت إلى حدّ كبير في تبريد الأجواء السياسية لتأمين المناخات المطلوبة لهذه الزيارة.
وتجزم مصادر سياسية عليمة أنه لولا زيارة الوزير الأميركي مارك بومبيو إلى بيروت بعد غدٍ الجمعة لما كان قد تمّ تحديد موعد لجلسة مجلس الوزراء، بعد التوتر العالي الذي برز على خط «التيارين» الأزرق والبرتقالي والذي حاول كل طرف التخفيف من وطأته لمنع توقف العمل الحكومي، وأن أجواء جلسة مجلس الوزراء اليوم تشكّل اختباراً حقيقياً يظهر مدى التضامن بين مكونات الحكومة الذي يُعد حجر الأساس في الحفاظ على بقائها.
وتستغرب المصادر كيف ان المسؤولين اللبنانيين في ظل ما ينتظر لبنان من استحقاقات داخلية وتحديات خارجية خطيرة، يستمرون في اتباع سياسة «ناقرني لناقرك»، وهي سياسة لطالما شهدنا مثيلاً لها وفي كل مرّة كانت تجلب إلى البلد الأزمات والمشاكل التي لا تستثني أي فريق من شرورها.
وتأمل المصادر ان يكون الإجماع الحاصل على محاربة الفساد نقطة انطلاق باتجاه كامل الملفات، إذ انه من غير المقبول بعد كل هذا الطبل والزمر الذي يحصل حول مكافحة الفساد العودة إلى الوراء في ما خص هذا الملف الخطير والذي يساهم بصورة أساسية في هدر المال العام والانزلاق المستمر في اتجاه الأزمات الاقتصادية والمالية.
وعندما تُسأل المصادر عمّا إذا كانت لديها مخاوف من الوقوع المبكر في الأزمة الحكومية تسارع إلى القول ان كل شيء في هذا المضمار وارد، طالما ان العلاقة بين مكونات هذه الحكومة هي علاقة هشة وقابلة للارتجاج مع مقاربة كل ملف، والسبب في ذلك يعود إلى غياب أي خارطة عمل موضوعة للحكومة على المدى الطويل واقتصار عملها على مقاربة كل ملف بملفه وتعاطي الأطراف المشاركة في الحكومة مع بعضها البعض على القطعة، ففي هذا الملف تجمعهم المصلحة يُنجز، وفي ذاك الملف يغيب التوافق حوله فيوضع على رف الانتظار وهكذا دواليك، وهذا السلوك السياسي غير الصحي يبقي مساحة الخوف مفتوحة حيال إمكانية الانزلاق مجدداً في اتجاه فرملة العمل الحكومي.
وتكشف المصادر عن جهود فوق العادة تبذل لتمرير البند المتعلق بالكهرباء في مجلس الوزراء، كون ان هذا الملف بدأ يضغط على الجميع، خصوصاً وان المال الذي يدفع في هذا القطاع فاق كل التوقعات وان الهدر الموجود فيه أصبح فاقعاً ولم يعد في مقدور أي فريق التغاضي عن ذلك لأسباب داخلية وحتى خارجية.
لكن في تقدير المصادر فإن التعيينات الإدارية من المتوقع لها ان تكون العاصفة العاتية التي ستهب على الحكومة فور المقاربة الفعلية لهذا الملف، سيما وأن بعض الأطراف يتوجس خيفة من استئثار أفرقاء بهذه التعيينات وهو ما لا يُمكن السماح به لأي سبب من الأسباب، مشددة على ان الحل الوحيد لتجنب المعارك السياسية حيال هذه المسألة هو الذهاب إلى اعتماد الآلية التي تلحظ بشكل أساسي موضوع الكفاءة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مشيرة إلى ان أبرز المعارك التي يُمكن ان تندلع حول هذا الملف هي بين التيار الوطني الحر الذي يسعي للحصول على حصة الأسد، و«القوات اللبنانية» التي تطالب باعتماد الآلية، وتعوّل على الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري بعدم استئثار التيار الوطني الحر بالحصة المسيحية، اما الطرف الثالث الذي سيواجه اي محاولة من هذا النوع فهو تيّار «المردة» الذي سيقاتل بشراسة لمنع تحقيق «التيار الوطني» ما يرمي إليه في هذا الملف.