كتب د. انطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
يميل الأطفال الذين لم يتجاوزوا الـ4 سنوات في معظمهم إلى الكذب. فيخبرون قصصاً لا يمكن أن يصدّقها أحد. ونجد أنّ الكثير من الأهالي يعاقبون أطفالهم بسبب هذه «الأقاويل» التي يعتبرونها كذباً. ولكن هل للأطفال حقّاً القدرة على الكذب؟ أم هذا خيال الصغير الذي يدفعه لتأليف القصص والروايات؟ من المؤكّد أنّ الطفل لا يقول الحقيقة ويختلق قصصاً بِلا قصد. فكيف يمكن للوالدين أن يميّزا بين الكذب والخيال عند طفلهما؟ وهل يمكن معرفة هذا سبب الكذب؟
الكذب سلوك غير مقبول عند الأطفال، لا سيّما الذين تجاوزوا عمر الـ7 أو 8 سنوات. لأنّ خلال الطفولة المبكرة، لا يستطيع الطفل التمييز ما بين الكذب والخيال. ولكن بعد عمر الـ8 سنوات، تُعتبر هذه العادة السيئة مكتسبة، يتعلّمها الطفل من والديه أو من الأشخاص المحيطين به. فإذا اكتشف الطفل الكذب واعتاده بسبب كذب والديه المستمرّ، فسيتعلّمهُ هو بدوره. والعكس صحيح، فإذا اعتادَ الطفل على قول الصدق، لن يلجأ أبداً للكذب. ويجب أن يكون الأهل على يقين عن سبب لجوء طفلهم إلى الكذب والتأكد من أنّه يميّز ما بين الخيال والواقع.
لماذا يكذب الطفل؟
هناك الكثير من الدوافع الاجتماعيّة والنفسيّة للكذب. فالطفل يتعلّم من خلال تقليد الأشخاص المحيطين به. إذ إنّ الطفل الذي ينشأ في منزل يكذب فيه أفراد عائلته، سيتعلّم بدوره الكذب من أسرته. كما أنّ الضرب والأذية الجسدية والانتقادات، هي من أهم الأسباب التي تدفع الطفل إلى إخفاء الحقيقة والخوف من العقاب. وبالتّالي، فإنّ الكذب يُعتبَر وسيلة دفاعية يتذرّع بها الطفل لحماية نفسه من العقاب. وتجعل سيطرة الأهل الزائدة الطفل يعاني من عدم الثقة بنفسه، فيتحوّل إلى طفل منغلق نفسيّاً وقابل للكذب.
وأخيراً، عندما لا يشعر الطفل بأهمّيته في البيت، بسبب غياب الأب الدائم عن المنزل أو انشغالات الأمّ إمّا بالخلوي الخاص بها أو بأمور خارج عائلتها، فإنّ ذلكَ قد يبرّر كذب الطفل الذي يختلق الروايات لجذب انتباه والديه.
أنواع الكذب عند الأطفال
تتعدّد أنواع الكذب عند الأطفال، فهناك الكذب الناجم عن التقليد، وهناك الكذب الخيالي حيث يتخيّل الطفل شيئاً ويُحوّله حقيقة. هذا النوع من الكذب شائع عند الأطفال المبدعين الذين يتمتعون بخيال قوي، وخصوصاً قبل عمر الـ8 سنوات. وهو يختلف عن الكذب الالتباسي حيث لا يسَتطيع الطفل التفريق بين الخيال والحقيقة، فيحيك القصص الخياليّة ويعيشها على أنّها حقيقيّة. وهناك الكذب الغَرَضي وهو عندما يكذب الطفل للحصول على مطلب لا يُحقّقه له أهله، وهذا النوع نجده عند الأطفال الذين يريدون تحقيق كل آمالهم. وهو مختلف عن الكذب الوقائي الذي يلجأ إليه الطفل خوفاً من العقاب ومن ردّة فعل مربّيه.
كما هناك الكذب الادّعائي حيث يلجأ إليه الطفل بسبب شعوره بالنقص أو الحرمان، فيُخبر الآخرين مثلاً أنّهُ لا يملك الألعاب، وذلكَ لكي يحصل على مزيد منها، أو يتظاهر بالمرض عندَ ذهابه إلى المدرسة. وأخيراً، هناك الكذب الانتقامي حيث يكذب الطفل بعدَ الانتقام من أخيه أو أخته، والكذب العنادي وهو نوع من التحدّي يستخدمهُ الطفل لمعرفة هَل سيتمكّن الأهل مِن كشف كذبته. وهذا النوع من الكذب يلجأ إليه الطفل إذا كان الأهل يُمارسون رقابة شديدة عليه.
ما دور الأهل؟
يُمكن كشف الأكاذيب «البسيطة» في حياة الطفل اليوميّة. لكن عندما يكذب الطفل في أمور أكبر وأكثر تعقيداً، فذلكَ يستدعي البحث عن حلول لهذه المشكلة.
وهناك بعض الاجراءات التي يمكنك اتّخاذها لمعالجة الكذب عندَ الأطفال:
– معرفة الأسباب التي تدفع الطفل إلى الكذب، والهدف الذي يبتغيه من وراء ذلك.
– معرفة ما إذا كان الطفل يخلط الحقيقة والخيال.
– توفير أجواء سليمة للطفل يسودها الصدق والإخلاص ضمن العائلة والمدرسة وبين الأصدقاء، ومحاولة الابتعاد عَن كلّ أنواع الحيَل والمكر والكذب والخداع في العلاقات بين الطفل والآخرين.
– التوعية وتفسير مبدأ الكذب للأطفال، مع مراعاتهم عمره وقدراته اللفظيّة ومدى استيعابه موضوع الكذب. وعلى الأهل أن يُناقشوا مع أولادهم، مهما كانت أعمارهم، معلومات ضروريّة عَن الكذب.
– دور الأهل في منح طفلهم شعور الأمان والاستقرار وعدم تخويفه من العقاب، وبالتالي على الطفل أن يعي أنّ أخطاءه اللاإراديّة ستُغفَر له، وأنّه لن يُعاقَب إلّا عندَ ارتكابه أخطاء متعمّدة.
– على الأهل التأكيد للطفل أنّهم لا يُحبّون سماعَهُ يتفوّه بالأكاذيب، وإلّا فإنّهم سيشعرون بالاستياء منه.
وأخيراً، دور الأهل هو إفهام الطفل أنَّ الطريق الذي يسلكه غير صحيح، وإخباره عن عواقب الكذب. وعليهم التأكيد لأطفالهم الذين لم يتجاوزوا الـ7 سنوات من العمر، أنّ هذا التصرُّف غير لائق. أمّا في السنوات اللاحقة، فيُمكن للأهل التفسير لهم بوضوح أنّ الكذب مرفوض كُلّياً على كلّ الأصعدة، وأنّ عليهم بالتالي قول الحقيقة دائماً.
كيفية التعامل مع الطفل الخيالي؟
وعندما يشك الأهل بأنّ طفلهم يخلط ما بين الخيال والواقع، أي يقول أشياء أو يخبر قصصاً لم تحدث، يجب ألّا يتعامل الأهل مع طفلهم على أنّه كاذب، ولا يجب تضخيم الأمور بل يجب تفهّم عمر الطفل الذي يتطلّب بعض الأحيان إختراع قصص خيالية. لذا الإستماع إلى الطفل والتحدث عن قصصه الخيالية سيكشف لهم الكثير من أفكاره ومخاوفه. وإن شعر الأهل بأنّ طفلهم الذي تجاوز الثمانية من عمره وما زال يكذب ويكرّر كلامه يجب الطلب منه أن يقول الحقيقة دائماً كما التعبير للطفل عن فرحة الأهل عندما يقول الصدق.