في ما يشبه إعلان نعي لاتفاقات السويد، خرج السفير الأميركي في اليمن من مدينة عدن، مطلقاً تصريحات تصعيدية ضد «أنصار الله»، في ما رأت فيه الأخيرة ضوءاً أخضر لإعادة الحرب إلى وتيرتها الأولى. إزاء ذلك، تؤكد سلطات صنعاء جاهزيتها لأي تطور دراماتيكي، رافضة ابتزازها بورقة التفاهمات
بعد وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، جاء دور السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، لينعى اتفاقات السويد، بتحميل حركة «أنصار الله» مسؤولية العجز عن تنفيذها. موقف يستكمل ما كانت قد بدأته واشنطن أخيراً، عقب تراجع السخط العالمي على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، من تصعيد متجدد ضد سلطات صنعاء، وتغطية ممتدة لـ«التحالف» السعودي ــــ الإماراتي. وهو ما ينذر بإمكان عودة الحرب إلى وتيرتها الأولى، وذلك على أبواب دخولها عامها الخامس في الـ 25 من آذار الحالي.
ومن مدينة عدن جنوب اليمن، حيث أطلق هانت مطلع الشهر الحالي اتهامات صريحة ضد «أنصار الله»، مبرّئاً الحكومة الموالية لـ«التحالف» من المسؤولية عن عرقلة تفاهمات استوكهولم، اتهم تولر، الخميس، «أنصار الله»، بـ«التأخير والمماطلة» في تنفيذ التفاهمات، قائلاً في الوقت نفسه إنه «لم يفقد الأمل» وإن «لديه ثقة كبيرة في ما يقوم به المبعوث الأممي» مارتن غريفيث. وخلال مؤتمر صحافي، أشار إلى «(أننا) مستعدون للعمل مع آخرين كي نحاول تنفيذ الاتفاقات، ونرى ما إذا كان بوسع الحوثيين إبداء نضج سياسي، والبدء في خدمة مصالح اليمن بدلاً من العمل بالنيابة عمَّن يسعون إلى إضعافه وتدميره». هذه التصريحات، سرعان ما استدعت رداً من «أنصار الله» التي اتهم عضو مكتبها السياسي، محمد البخيتي، «التحالف» وداعميه بمحاولة تقويض اتفاقات السويد، معتبراً أن الولايات المتحدة وعملاءها قبلوا فقط بهدنة جزئية في الحديدة بسبب الضغط الدولي على خلفية قضية خاشقجي.
من جهته، عدّ عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، علي القحوم، مواقف تولر «مؤشراً واضحاً إلى التوجه الأميركي للتصعيد في الحديدة». ولفت القحوم، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن السفير الأميركي «يسوّق الافتراءات والأكاذيب حول اتفاق الحديدة»، معتبراً ذلك «ضوءاً أخضر للتصعيد». وأضاف إن «الاتفاق واضح، وموقفنا جليّ ومعلن في حرصنا على السلام، وقد قدمنا خطوات أحادية في تنفيذ الاتفاق، فيما قوى العدوان هي التي تعرقل وتماطل في تنفيذه، وتخترق وقف إطلاق النار وتصعّد عسكرياً». وأشار إلى أن «السفير الأميركي يرى سلاح اليمنيين خطراً عليهم، متناسياً في الوقت نفسه الأسلحة الأميركية المدمرة التي قتلت الآلاف من اليمنيين ودمرت الحجر والبشر، فهل يريد تولر أن نظلّ مكتوفي الأيدي أمام عدوانهم وإجرامهم؟»، مؤكداً أن «قدراتنا العسكرية في العام الخامس من العدوان تتعاظم أكثر فأكثر». وكان تولر قد اعتبر، في مؤتمره الصحافي، «وجود جماعات تملك أسلحة، من بينها أسلحة ثقيلة، وحتى أسلحة يمكن أن تهدد الدول المجاورة، وليست خاضعة لسيطرة مؤسسات الدولة»، «خطراً جسيماً على المنطقة وكذلك على اليمن».
وتأتي تصريحات السفير الأميركي بعدما أعلن المبعوث الأممي، ليل الثلثاء ــــ الأربعاء، نيته تقديم خطة جديدة في شأن عملية إعادة الانتشار في مدينة الحديدة (غرب)، والتي لا تزال متعثرة إلى الآن. إذ أشار إلى أنه «عقب مناقشات بنّاءة مع الجانبين، تم إحراز تقدم باتجاه التوصل إلى اتفاق لتطبيق المرحلة الأولى من عمليات الانسحاب»، مضيفاً إنه «سيتم تقديم التفاصيل العملانية إلى الأطراف في لجنة تنسيق الانسحاب للمصادقة عليها قريباً»، متابعاً أنه «يتطلع إلى المصادقة السريعة على الخطة». ولم يكد غريفيث يدلي ببيانه ذاك حتى جاءه الرد سلبياً من حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، التي توجّهت إلى المبعوث الأممي بالقول «إنكم كمن يحرث في البحر… وما سمّيتموه تقدماً ملموساً في تنفيذ الاتفاق أصبح سراباً» على حد تعبير عضو وفدها المفاوض عسكر زعيل.
لكن وزير خارجية هادي، خالد اليماني، عاد وقال في تصريحات صحافية إن الخطة التي يتحدث عنها غريفيث هي نفسها التي كان قد طرحها رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» مايكل لوليسغار، مدعياً أن «أنصار الله» رفضوها في حينها وهم يقبلون بها اليوم، مضيفاً إنها تنصّ على تكليف فريق ثلاثي (يضم «أنصار الله» وحكومة هادي والأمم المتحدة) لمراقبة المرحلة الأولى من الانسحاب، على أن يتم الاتفاق لاحقاً على هوية السلطات الأمنية والإدارية في المدينة.
في المقابل، نفت مصادر «أنصار الله» لـ«الأخبار» وجود أي جديد في ما يخصّ تنفيذ اتفاق الحديدة، فيما كشفت مصادر محلية أن التطور الوحيد إلى الآن، منذ دخول الاتفاقات مرحلة جمود، هو أن الأمم المتحدة استأجرت فندق «أتلانتك» في الحديدة كسكن لأعضاء «لجنة التنسيق» لمدة عام، وأن العمل جارٍ على ترميم الفندق وتجهيزه.