لم يعد من مجال للشك ان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي ينهي السبت جولته في المنطقة قال في بيروت كلمته ومشى. فهو لم يكن جاهزا ليناقش ما سيعلنه من مواقف كانت جميعها مكتوبة ومعدة سلفا قبل ان يغادر العاصمة الأميركية متوجها الى الكويت وتل ابيب فبيروت.
مصادر دبلوماسية رافقت التحضير للزيارة وشاركت في جزء منها قالت لـ “المركزية” ان بومبيو “لم يكذب” على اللبنانيين، فما أراد قوله وما رمى اليه من جولته نطق به، رغم ما سمعه من تبريرات وتفسيرات لبنانية في مختلف زياراته. فلم يكن مهيًّأ للمناقشة او التفاوض في اي جزء من قناعاته وتوجهات إدارته التي يقودها اليوم الرئيس دونالد ترامب. فكان من انجح من عبّر عن آرائه وأفكاره بشكل حرفي، وهو ما قادته اليه ثقافته العسكرية والمخابراتية كما الدبلوماسية، وهي من العناصر التي اكسبته الجرأة كما قال احد اعضاء الوفد المرافق له امس على هامش احد اللقاءات لافتا الى انه لم يشهد ان عمل مع وزير للخارجية بهذا الوضوح والصراحة.
وبعيدا من المعادلات الدبلوماسية والسياسية، توقفت مراجع لبنانية امام حجم الرسائل التي اطلقها بومبيو وعبرت عن جملة مخاوف يمكن ان تقود اليها بعد مغادرته الأراضي اللبنانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– ارتفاع منسوب التوتر على الساحة اللبنانية وخصوصا إذا ما ترافقت مع موجة جديدة من التصعيد او التخوين لمجرد ان ابتسم أحدهم في لقائه مع بومبيو تزامنا مع الإشادة بمواقف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية دون الإتيان على ذكر قيادات اخرى التقاها.
– التشدد المنتظر في مواقف “حزب الله” وبعض مناصريه في الكثير من الملفات السياسية والدبلوماسية بعيدا عما يؤدي الى ابراز حجم سيطرته على مقدرات البلاد ودوره الأمني والعسكري في سوريا واليمن، مع حرصه على الحد الأدنى من الهدوء والإستقرار لحماية الرعاية اللبنانية الداخلية التي يتمتع بها ايا كانت كلفتها في الإدارة الداخلية للشؤون اللبنانية والحصص المرتقبة في التعيينات الإدارية المقبلة رغم اصراره على نيل حصته منها.
– بدء التحضير لمجموعة من التحركات التي تعبّر عن رفض جزء من اللبنانيين لمواقف بومبيو التي اعقبت مباشرة إثارة ملف طلب إسرائيل الإعتراف بضم الجولان السوري المحتل الى الدولة القومية اليهودية، وهو ما ستكون له ردات فعل قد تغطي على ما ستتركه المواقف الخاصة بلبنان. الامر سيثار مطلع الأسبوع المقبل تزامنا مع زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الى واشنطن، طلبا وثيقة الإعتراف بالجولان التي ستعطيه المزيد من الدعم والقوة في الإنتخابات النيابية المبكرة التي دعت اليها حكومته قريبا للعودة الى قيادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
– رغم حجم الإرتياح الذي عبر عنه القادة اللبنانيون بالفصل الذي أجراه بومبيو بين مواقفه من ايران وحزب الله وتأكيده ابقاء المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية والعسكرية الاخرى على حالها، عبر بعض اللبنانيين عن الخشية من ان يتوسع نطاق العقوبات على شخصيات لبنانية مقربة من حزب الله وفق قانون جديد لتطوير العقوبات تقود التحضير اليه مجموعة من اعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين التقيا على مبدأ تعزيز العقوبات على ايران وحلفائها وكل من يؤازرهم في لبنان والمنطقة والعالم.
– رغم الإدعاء بالإنتصارات الكبرى التي يتحدث عنها محور الممانعة في سوريا واليمن والعراق وغيرها من مواقع المواجهة الإيرانية – الأميركية ، فهي لا تخفي احدى ابرز نتائجها، اذ قد “يطير الجولان” قريبا بعد “فقدان القدس” دون التكهن بما هو منتظر من خسائر لاحقا.
وعليه تبقى ثابتة اساسية لم يعد يرقى اليها اي شك وهي ما بلغته حدة المواجهة الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية بين واشنطن وطهران والتي اقتربت من الذروة. فالإدارة الأميركية التي اعدت سلة العقوبات الأخيرة لم تكن على قناعة تامة بأنها ستعطي ثمارها بقوة وبالسرعة التي شهدتها، لذلك كان عليها ان تواصلها وترفدها بمجموعة أخرى منها ستطال المزيد من الأشخاص والمؤسسات والكيانات الإقتصادية الإيرانية في المنطقة والعالم.
من الواضح لكل من اراد ان يرى الحقائق، تختم المصادر،ان بومبيو قال كلمته وسيمشي من دون ان يتطلع الى ردات الفعل. وكما قال احد معاونيه، فإنه لم ولن يتأثر ببعض المقاربات التي قدمها المسؤولون اللبنانيون وخصوصا اعتمادهم على شعارات ملّتها الإدارة الأميركية، والتي تناولت مقاربة بين تلك التي يتمسك بها العالم الحر ولبنان، فهي لم ولن تؤثر او تغير في موجة التشدد الأميركي الجديدة ونقطة عالسطر.