لم يشرّع مجلس النواب اللبناني بعد زراعة الحشيشة لأهداف طبية بعد، ولكن رغم ذلك يبدو أن وهج السلاح غير الشرعي في لبنان شرّع تعاطي “الحشيشة السياسية” لدى البعض ممن يتعاطون مع القلم بأسلوب “النشوة الزائفة”، ويظنون في لحظة “انتشاء” أنهم باتوا يغيّرون المعادلات الكونية، فيبدأون بنصب المحاكم العرفية ويطلقون أحكام العمالة ويحلمون بتنفيذ أعمال إرهابية على شاكلة ما جرى في الثمانيات من القرن الماضي الذي يعتبرونه “الزمن الجميل”، زمن خطف الرهائن والطائرات وممارسة كل أنواع الإرهاب والتفجيرات التي يفاخر بها فقط الإرهابيون والعملاء!
هكذا، وبقلة حياء منقطعة النظير، لا يتردد أمثال “الطرطور” ابراهيم الأمين في أن ينعت مجموعة كبيرة من اللبنانيين يشكلون أكثرية واضحة، بأنهم “طراطير وعملاء” لمجرد أنهم يقيمون علاقات ويتواصلون مع المسؤولين الأميركيين والإدارة الأميركية. لا يأبه ابراهيم الأمين لكون قائد الجيش العماد جوزاف عون، على سبيل المثال لا الحصر، في طليعة المصرّين على علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة ومسؤولي الإدارة الأميركية التي تؤمن كل الدعم للجيش اللبناني من معدات وعتاد وتدريب، ويتناسى أن قائد الجيش زار واشنطن مرات عدة منذ تعيينه قبل سنتين. فلماذا يكيل عملياً لقائد الجيش اللبناني كل تلك الاتهامات؟
وإذا كان “الطرطور” ابراهيم الأمين أراد أن يطلق سهامه باتجاه رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض الذي أقام مأدبة عشاء على شرف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبييو والوفد المرافق، فيكون تناسى أو أغفل أن كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري كانت ستتمثل في العشاء بالنائب ياسين جابر لولا الاعتذار في اللحظات الأخيرة، وخصوصاً أنها كانت تمثلت بالنائبين ياسين جابر وعلي بزي في عشاء مساعد بومبييو السفير دايفيد هيل قبل شهرين، فهل يشمل “الطرطور” في اتهاماته حلفاء “حزب الله” الأقربين رئيس المجلس، رئيس حركة “أمل”، والنائب جابر؟ وهل يشمل أركان “التيار الوطني الحر”، حلفاء “حزب الله” المقربين، بدءًا بوزير الدفاع الياس بو صعب ووزيري العدل والاقتصاد؟ أم يمكن أن يصيب رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل الذي أكد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أن المقارنة بالوقائع والأرقام بين علاقات لبنان بالولايات المتحدة وإيران تظهر أن مصلحة لبنان تكمن مع واشنطن؟ وإذا كانت معروفة اتهاماته الممجوجة لرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، الذي التقى بومبييو في السفارة الأميركية في عوكر، فهل تشمل أيضاً النائب السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور اللذين التقيا أيضاً بومبييو في عوكر؟!
لا شك في أن من أدمن العمالة يتوهّم أن جميع الآخرين، مثله، عملاء، تماماً كما أن من يدمن الخيانة يظن أنها صفة مشتركة لدى البشر.
أما في الخيانة الوطنية فحدّث ولا حرج عمّن يزعجه “هذا الحشد الكبير من «الأجانب» المنتشرين في لبنان، باسم الطب والتعلم والدراسات والبيئة والخدمات وخلافه”، لأن ما يناسبه هو حشد الميليشيات الشيعية في المنطقة، الهادفة الى تدمير أسس الكيان اللبناني والتي تدين بالولاء إلى مشروع ولاية الفقيه، أما التعليم والطب والدراسات والبيئة والتنمية فلا يناسب أصحاب هذه المشاريع التي لا تتقن سوى تجويع شعوبها وتدمير مستقبلها!
بئس “الطرطور” في هذا الزمن البائس…