IMLebanon

بومبيو وزمن الخيارات الكبرى (بقلم رولا حداد)

يمكن القول بكل اختصار إن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أطلق في خلال زيارته للبنان “التحذير الأخير”، وما بعد زيارة بومبيو يستحيل أن يكون كما قبلها. بعد اليوم لا يمكن التلطي خلف منطق إن الغرب لا يمكن أن يسمح بوصول لبنان إلى الانهيار الشامل، لأن كلام المسؤول الأميركي اكثر من واضح، ودقت ساعة الخيارات الكبرى: فإما أن نستمر في التصرّف كالنعامة فندفن رأسنا في رمال الديماغوجية اللبنانية تحت شعارات سخيفة من مثل أن “حزب الله مكوّن لبناني ومشارك في السلطة”، إلى الرهان على أن لا مصلحة للغرب بانفلات الأوضاع في لبنان اقتصادياً ومالياً.

جميع من التقوا بومبيو أدركوا جيداً أن الإدارة الأميركية لا تناور في موضوع العقوبات على إيران و”حزب الله”، وأنها جاهزة لتوسيعها بقدر ما يلزم ومن دون حدود، من أجل أن تحقق الأهداف المرسومة لها. ويُخطئ من يظن أنه يستطيع أن يتحايل على العقوبات أو أن يتلاعب بها، من خلال محاولات توريط الدولة اللبنانية ومؤسساتها للالتفاف على العقوبات.

لا بل أكثر من ذلك، فإن بومبيو دعا الحكومة اللبنانية والمسؤولين إلى تحديد خياراتهم وتحمّل مسؤولياتهم على أساس هذه الخيارات، فإما ينقذون أنفسهم وبلدهم من الرضوخ لهيمنة “حزب الله”، وإما يتحمّلون مسؤولية الالتصاق بالحزب والخضوع له فتشملهم العقوبات وتصيب جميع اللبنانيين.

ليس الوقت اليوم لهجاء الأميركيين، ويا ليت لبنان دولة قوية بإمكاناتها ومقوماتها فلا تأبه لأي عقوبات أميركية أم غير أميركية. لكن الواقع والحقيقة في مكان آخر مختلف كليا.

إذا كان “حزب الله” أو ما يُسمّى “المقاومة” تريد مواجهة العقوبات الأميركية والالتحام بإيران، فهذا شأنهم لا علاقة لنا نحن به. أما لبنان الدولة والجيش والشعب فلا يمكنه أن يتحمل أي عقوبات، لا بل إن هذه الثلاثية في لبنان تعتمد بشكل أساس على الدعم الدولي وفي طليعته دعم الولايات المتحدة التي تقدّم المساعدات والعتاد والآليات والتجهيزات والتدريب للجيش اللبناني، كما تقدّم المشاريع الإنمائية في مختلف المناطق اللبنانية.

هكذا بات على لبنان أن يختار ما بين استقراره الأمني والاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما بين تأمين الغطاء لـ”حزب الله” ليستمر في تنفيذ مشاريعه ومخططاته وعملياته دعماً لإيران تحت ستار “المقاومة”. لم تعد أنصاف الحلول أو أنصاف الخيارات واردة. لم يعد منطق “ربط النزاع” مجدياً، لا بل أصبح كارثياً، ونتائجه ستكون مدمرة أقله على الصعد الاقتصادية والمالية.

إذاً ما المطلوب اليوم؟

المطلوب أولاً أن يعي المسؤولون أن ساعة الحقيقة دقت، وأن الاستمرار بسياسات المماطلة لن يجدي نفعاً بعد اليوم. والمطلوب ثانياً وقف الرهانات على أن الأميركيين والمجتمع الغربي لن يسمحا بحصول الانهيار في لبنان لأن هذا الانهيار بات وشيكاً. والمطلوب ثالثاً التحلي بالمسؤولية واتخاذ القرار بالفصل الكامل ما بين الدولة و”حزب الله”، فلا يمكن بعد اليوم الحديث عن أن الدولة غير معنية بما يرتكبه “حزب الله” من عمليات في الداخل والخارج، في مقابل اعتبار “حزب الله” جزءًا من الدولة وشريكاً فيها وممثلاً لشريحة كبيرة من اللبنانيين. انتهى زمن هذه الازدواجية والانفصام القاتلين، فإما “حزب الله” هو جزء من الدولة، حتى لا نقول إنه يسيطر على قسم من قراراتها، وبالتالي سنتحمل كدولة وشعب المسؤولية عن أفعال الحزب ونصبح ضحايا العقوبات عليه أيضاً، وإما نعلن للمجتمع الدولي على الملأ أن لا علاقة لنا بـ”حزب الله” بصيغته القائمة وبالتالي نرفض أن يكون جزءًا من الدولة ما لم يسلّم سلاحه ويوقف ما يقوم به من عمليات في الخارج والداخل، ويعود إلى لعب دوره كحزب سياسي لبناني فقط لا غير.

إنه زمن الخيارات والقرارات الكبرى… فهل من يجرؤ قبل فوات الأوان؟!