Site icon IMLebanon

“التيار” محكوم بالتفاهمات… وإلّا؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

بعد إنجازِ استحقاقي الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة اللذين حتّما النبرة الحادة ورفع سقف الإتهامات بين المتخاصمين، مرَّ «القطوعان الصعبان» بالنسبة إلى «التيار الوطني الحر». أمّا الآن فبدأت المرحلة المُعاكسة، وهي «مرحلة فتح القنوات مع جميع الأفرقاء لتخفيف التشنج وتعزيز التواصل والتفاهم».

هدف «التيار الوطني الحر» هو «إنقاذ البلد»، ولتحقيق هذا الهدف يعتبر قياديوه «أننا محكومون بالتفاهمات». لكن بعض السائرين عكس «التيار» يرون أنّ هدف التسويات هو إنقاذ «العهد القوي»، فالعهد مثل وضع البلد لا يتحمّل ترف إضاعة الوقت. أمّا البعض الآخر فيضع كل تفاهم يجريه «التيار» في خانة «المحاصصة والصفقات».

التسوية الرئاسية الوطنية أكّد «رأساها» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري استمرارها، على رغم الحروب التلفزيونية و«التويترية» أخيراً والنزاع على حصة من هنا وتعيين من هناك، والهدف من هذه التسوية أسمى: «إنقاذ البلد»، وبالتالي تعويم العَهد والحكومة ما يُعادل إرتفاعاً في الشعبية. «تفاهم مار مخايل» أثبت متانته فمع كل الخضات التي تعرّض لها لم «يَفرُط»، ويبدو أنه ما زال يحمل منافع لطرفيه.

أمّا «تفاهم معراب» الذي لم يُكتب له كثير من الإنجازات، فما زال صالحاً للإستخدام عند الضرورة، وعند التقاء المواقف أو المصالح وعند بروز حاجة الى تكتُّل أو موقف موحد قوي مسيحي.

إذاً شغّل «التيار» خطوط الوَصل مسيحياً وسنياً وشيعياً، إلّا أنّ الخط الذي يصل بالجبل وبـ«الرمزية الدرزية» رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ظلّ «مُكهرباً». كلامٌ كبيرٌ قيل على الجبهتين. لكن يبدو أنّ «أجراس» الصُلحة أو الهدنة بين الطرفين دُقَّت أخيراً.

وعلى رغم من أنّ البعض يضع هذا «التقارب الفُجائي» في خانة تخفيف المعارضة داخل الحكومة والكلام الإعلامي العلني عن «التيار» ورئيسه جبران باسيل الذي يتعرّض لكثير من التهجمات والإنتقادات حول أدائه وفريقه الوزاري منذ ما قبل الحكومة الحالية وما قبل عهد عون، أو لتسهيل إمرار خطط «التيار» وما لا يظهر فوق الطاولة، إلّا أنّ «التيار» يؤكّد أنّ «التقارب ليس تحت هذا العنوان».

لـ«التيار» تفاهمات وتسويات «أكبر» في الحكومة، فـ«على رغم من أنّ «الحزب التقدمي الإشتراكي» هو حزب عريق وله وجوده خصوصاً في الجبل، إلّا أنّ هناك أطرافاً أساسية في الحكومة تمّ التوصل إلى تفاهم وتوافق معها».

ويأتي هذا التفاهم لأنّ «التيار يتوق إلى تخفيف التشنج في أيّ ظرف أو توقيت، خصوصاً أنّ مرحلة الانتخابات النيابية أصبحت وراءنا ولا يجب للتشنج أن يستمر. فنحن من دعاة الوحدة الوطنية الحقيقية ونسعى إلى علاقات جيدة مع الجميع للذهاب معاً إلى الإنتاج. وإنّ تخفيف التشنج سيُنتج مردوداً إيجاباً على المسيحيين والدروز والجبل ولبنان كله».

ومن أسباب هذا التقارب أيضاً أنّ «التيار» يسعى إلى «النجاح بدرجة ممتاز» في ملف المهجرين، ويريد حلّ ما لم يتمكّن غيره من حلّه عبر وزارة المهجرين التي يتولّاها وزير «التيار» إبن الجبل غسان عطالله، علّ «عودة المسيحيين» الكاملة إلى الجبل تتحقّق على يده وفي عهد عون.

فـ«التيار» مصرّ على «حلّ ملف المهجرين وإغلاقه، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلّا بالتواصل مع جهات معنية أساسية، منها «الحزب التقدمي الاشتراكي». كذلك، ملف النزوح السوري الذي نحاول التوصل إلى إجماع وقرار واحد حوله يتطلّب الحدّ من الإختلافات والتواصل مع كلّ الأطراف الوطنية».

إذاً، تفاهم «التيار» ـ «الإشتراكي» محصور في «المنطقة المشتركة»، أي الجبل، ومحدود في «الملف المُشترك»، أي «المهجرين»، ولا منافسة هنا أو رابح وخاسر، فـ«النجاح» يعني ربحاً للطرفين و«الفشل» يعني خسارتهما معاً.

هذا على خط «التيار» ـ «الإشتراكي»، أما هَمّ «التيار» الأساس وتركيزه المُطلق فيكمن في «ورشة النهوض بالإقتصاد وانطلاق الحكومة بإنتاجية، خصوصاً بعد العتب والعتب المتبادل بين أطراف الحكومة وإنقضاء نحو شهرين من عمرها ولبنان ما يزال «مكانك راوح».

لذلك، يُعوِّل «التيار» على «التسوية بين الأفرقاء الرئيسيين علّها تؤدي إلى إنتاجية أكبر، أقله في الملفات الأساسية، فالوضع الإقتصادي يحتاج قرارات ومبادرات وتفاهمات معينة تعيده إلى المسار الصحيح وإلى الدخول في إصلاح حقيقي والعودة إلى «سكة» الإزدهار والنمو الاقتصادي».

كذلك، يعوّل «البرتقاليون» على «بنود الخطة الإقتصادية، فإذا تمكنّا من إنتاجها عبر التفاهمات والثقة اللازمة بين الأفرقاء، نكون قد وضعنا لبنان على سكة النموّ وأنقذناه من أزمة اقتصادية أوصلته إلى حافة الإنهيار».

هذه النقلة قد يبدأ مسارها بالنسبة إلى «التيار» في «أيّ جلسة لمجلس الوزراء، وقد تنطلق من ملف الكهرباء. وخلال شهرين أو ثلاثة يجب أن تظهر إشارات أساسية تدلّ إلى أنّ التفاهمات أنتجت القرارات اللازمة لإصلاح المسار… وذلك في ملفات كثيرة، منها: النازحون السوريون، العلاقة مع سوريا، النفط والغاز، الكهرباء، مؤتمر «سيدر»… وغيرها من القضايا والملفات. وإذا لم تظهر إشارات إلى أنّ التسوية متينة وقادرة على إنتاج فعالية لتحقيق هذه النقلة فعندئذ لن يكون وضعنا جيداً، فالوضع الاقتصادي لا يسمح بإضاعة الوقت».

يتمسّك «التيار» بالتسوية الرئاسية لأنه يملك «إشارات من أصحاب القرار الأساسيين عن أنّ الإقتصاد لم يعد يتحمّل وأننا محكومون بالتفاهم لنصل إلى اتفاق على الملفات الأساسية، ومن المُفترض أن يكون التوافق حول القرارات الاقتصادية المهمة أسهل لأنها لا تمسّ الميثاقية والحصص الطائفية، ولا يتموضع كل فريق وفق هذه اللعبة السياسية، فالنهوض الإقتصادي من مصلحة الجميع، لذلك من المُفترض أن يقتنع الجميع به. والحديث عن الورشة الإقتصادية يجب أن يكون طاغياً على كل ما عداه خلال السنتين المُقبلتين… وإلّا «الله يعلم» ما الذي سيحلّ بلبنان».