كتب عمر حاج أحمد في “أورينت نت”:
أصبحت المشافي العسكرية خلال الثورة السورية مسلخاً يقتصّ به نظام الأسد ومخابراته من معارضيه، وتحوّلت هذه المشافي لثكنات عسكرية وسجوناً تابعة للأفرع الأمنية، ساهمت بالمزيد من عمليات التعذيب والقتل والضرر بالمعتقلين السوريين أو من خرج ضدّ هذا النظام.
وكانت هيئة القانونيين السوريين الأحرار ذكرت أنها قدّمت مذكرة إلى لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، موضحةً فيها وبالأدلة على تورّط نظام الأسد بقتل ما يزيد عن 6 آلاف شخص بأقل من عامين، داخل أقبية سجن “المزّة” العسكري والمعروف بالرقم /601/، والذي يقع بمحيط مدينة دمشق من الجهة الغربية.
أجنحة للقتل والتعذيب
وأوضح عضو هيئة القانونيين السوريين، المحامي عبد الناصر حوشان لـ”أورينت نت”، دور المشافي العسكرية بقتل وتعذيب المعتقلين السوريين المعارضين لنظام الأسد، بقوله “يوجد بكافة المشافي العسكرية الموزّعة على أغلب المحافظات السورية أجنحةّ خاصة للمعتقلين المُحالين من سجون النظام أو فروعه الأمنية، ومع تزايد أعداد القتلى والمعتقلين مع بدء الثورة السورية تحوّلت هذه الأجنحة لمراكز للتحقيق والقتل والتعذيب، لذلك كان الموتُ مصير غالبية المرضى المعتقلين “.
وبيّن حوشان أعداد القتلى من المعتقلين داخل المشافي العسكرية عامة ومشفى المزة العسكري خاصةً خلال العامين الأولين من الثورة السورية، حيث قال “بلغ عدد المعتقلين الذين قُتلوا في المشافي العسكرية حتى عام 2013 أكثر من 15 ألف معتقل، جميعهم قُتلوا تحت التعذيب أو بوسائل أخرى داخل تلك المشافي، ولدينا أدلة ووثائق تٌثبت أن مشفى المزة العسكري قُتل داخله أكثر من 6 آلاف معتقل خلال أول 21 شهراً من الثورة السورية”.
وأشار المحامي حوشان إلى أن، هناك أطباء وضباط وممرضين وعدة جهات عسكرية ومدنية متورطة بعملية قتل وتعذيب المعتقلين داخل أجنحة المشافي العسكرية، وجميع هذه الجهات موثقة بالمذكرة المقدّمة إلى لجنة التحقيق الدولية.
ومن بين الشهود على تلك الجرائم، كان أبو حمزة وهو أحد فنيي التخدير بمشفى تشرين العسكري الموجود بدمشق، حيث أفاد لأورينت نت “يوجد قسم في الطابق الثاني تحت الأرض بمشفى تشرين العسكري، كان يُدعى هذا القسم (الاسعاف البديل) ومخصص لنقل الحالات المُعدية إليه، ولكن مع بداية الثورة تحوّل هذا القسم لجناح خاص بمعتقلي الثورة من داخل الأفرع الأمنية، وكذلك المُصابين خلال المظاهرات أو عمليات المُداهمة، يتمّ فيه عمليات التحقيق والتعذيب والقتل بحقّ المعتقلين “.
أقسام للقتل الطائفي
وأكمل فنيّ التخدير أبو حمزة، “بعد الأشهر الأولى للثورة السورية، ازداد الحقد الطائفي على كل من خرج ضد نظام الأسد، ولذلك تم سحب الصلاحيات من الأطباء والممرضين وفنيي التخدير، ومنعهم من النزول للقسم المعنيّ بمداواة المعتقلين والمُصابين المحسوبين على الثورة السورية، وتسليم الإشراف على هذا القسم إلى أشخاص محسوبين على الطائفة العلوية، ليخرج من هذا القسم يومياً عشرات الجثث المُمثّل فيها”.
وبنفس السياق، أكّد على ذلك عضو هيئة القانونيين السوريين قائلا “كانت الأقسام الخاصة بالمعتقلين الموجودة داخل المشافي العسكرية يحرسها أشخاص خاصّين من الطائفة العلوية، بالإضافة للأطباء والمحققين المشرفين على أولئك المعتقلين، وغالبية الأسماء الموثقّة والمشتركة بعمليات القتل والتعذيب داخل المشافي هم طائفيون”.
تجارة الأعضاء
راجت في سوريا خلال السنوات الثمان الأخيرة تجارة الأعضاء خاصة في المناطق التي تُسيطر عليها ميليشيا أسد الطائفية، ولذلك كان للمشافي العسكرية التابعة لهذه الميليشيات الدور الأكبر بهذه التجارة لكثرة المُحالين إليها.
ولفتَ المحامي حوشان إلى أنه، “ظهرت تجارة الأعضاء بإشراف الضباط والأطباء السوريين الموظفين في المشافي العسكرية، وبالتعاون مع شبكات التجارة العالمية للأعضاء البشرية خاصة في العراق ولبنان وبعض الدول الموالية لنظام الأسد، وتمّ كذلك الكشف عن عدة شبكات بهذا الخصوص”.
ونوّه حوشان إلى أن مسؤولي المشافي العسكرية التابعة لميليشيا أسد، استغلّوا تجارة الأعضاء وبيع الجثث بقتلهم المعتقلين والاستفادة من أعضائهم، وكانت الأسعار تتراوح بين 20 ألف دولار و 50 ألفاً، مما جعلهم يُخفون بعض الجثث دون ترقيمها أو التخلّص منها رسمياً.
المشاركة بحرق أو نقل الجثث
ذكرت التقارير التي أعدّها مختصون بالتعاون مع العسكريّ المنشقّ المعروف باسم “القيصر”، أن أكثر من 11 ألفاً من المعتقلين الذين قُتلوا داخل أقبية الأفرع الأمنية والمشافي العسكرية، تمّ حرق جثثهم بأجنحة خاصة داخل المشافي أو نقلهم عبر سيارات المشفى إلى مقابر جماعية خارج مدينة دمشق.
ووفقاً لما ذكره حوشان، فـإن “المرحلة الأخيرة من دور المشافي العسكرية تأتي بحرق أو نقل جثث المعتقلين الذين ماتوا أو تمّ تصفيتهم داخل أجنحة تلك المشافي، ولذلك كان يتم نقلهم عبر سيارات خاصة لا يعلم ما بداخلها إلا أشخاص محدّدين، ومن ثم نقل تلك الجثث إلى محارق أو مكبّات ومقابر خاصة”.
وبنفس الإطار، كشف فني التخدير بمشفى تشرين العسكري أنه، “تدخل سيارات بيك آب كبيرة كل عدّة أيام إلى خلف المشفى العسكري، حيث الجثث متجمّعة هناك ليقوم بعض الأشخاص بتعبئتها داخل تلك السيارات مع سيارات نقل المساجين، والذهاب بتلك الجثث إلى مقبرة “نجها” جنوب دمشق أو إلى حفر خاصة بالقرب من مزارع المشفى لطمر الجثث أو حرقها”.