Site icon IMLebanon

بين علي الديك وسلام الزعتري وثقافة التصفيق! (راجي كيروز)

شهدت حلقة برنامج “منا وجر” نهاية “مثيرة”، إن صح القول، على إثر سجال بين الإعلامي سلام الزعتري والضيف علي الديك. سئل الأخير عن تزامن إطلالته في البرنامج مع الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان وموقفه من القرار، فما كان منه إلا أن استنفر وطنيًا، وأكد أن الجولان سورية وستعود إلى أهلها لا محالة. الطرح سياسي في أصله، وبالتالي من الطبيعي جدًا أن يستدعي ردود فعل سياسية. لكن الجمهور في الاستديو لا يسمع، فيصفق فقط، وفريق البرنامج لا يلتفت، فيصفق فقط، “احترامًا للضيف”. ثقافة التصفيق لكل ما يقوله الضيف في برنامج، مهما كان ما قاله، هي ثقافة تدل على مبدأ المسايرة الكاذبة الذي يعرفه اللبناني جيدًا.

الإعلامي سلام الزعتري، أحد أعضاء فريق البرنامج، خالف ذلك وقرر الرد في السياسة، وقال للديك إن النظام السوري باع الجولان. لم يتهجم على سوريا ولم يهن أحدًا من الشعب السوري، ولم يقل حتى إن الجولان غير سورية، بل طرح نقطة سياسية، كان من الممكن للديك أن يناقشه فيها، ويثبت أنه أخطأ حتى، إن كان مقتنعًا حقًا. لكن الأخير اختار أن ينتفض، وقرر الانسحاب لأنه اعتبر أن ما قاله الزعتري قلة احترام له ولبلده، وطالبه بأن يحترم نفسه لأنه يحكي عن “أبيه”، أي بشار الأسد، ولم يتراجع عن كلامه.

أولًا، الديك الأسدي لم يترك مجالًا للزعتري بأن يبلور فكرته أكثر بل أصر على مقاطعته، وزملاء الأخير سارعوا إلى محاولة فض السجال قبل أن يكبر لأن الديك اختار ذلك، ودعوا إلى “عدم الحديث في السياسة” لأن البرنامج ترفيهي. الحديث في أصله سياسي، وموقف الديك سياسي، فهل ممنوع أن يرد أحد عليه في السياسة؟ انسحب الزعتري من الحلقة ولم يحرّك أحد ساكنًا، بل حتى وضعوا لعلي الديك أغنية وطنية عن سوريا، يفترض أن تحرّك المشاعر الجياشة، لتهدئته.

قد يكون القيّمون على البرنامج طلبوا من الزعتري الانسحاب لتهدئة الوضع، لكن رد الفعل على مغادرته أقل ما يقال عنه إنه غير محترم لزميل في الفريق له الحق الكامل بالتعبير عن رأيه، حتى لو عارض الضيف. الضيف غير معصوم عن الخطأ، ورأيه السياسي أصلًا مؤيد لنظام ليس غريبًا عنه أن يفعل ما قاله سلام الزعتري.

وفي الشق العام، على دعاة الفصل بين كل ما هو سياسي وغير سياسي أن يعرفوا أن ذلك غير ممكن بتاتًا في العالم العربي. الفنان ليس بمعزل عن موقفه السياسي، لأنه يمثّل وجهة نظر أخلاقية عبره في المقام الأول. الأمر نفسه ينطبق على الرياضي والرسام وكل من يختار التعبير عن رأيه السياسي. من يتكلم في السياسة عليه أن يتوقع ردًا سياسيًا، ومن يؤيد جهةً ما عليه أن يتقبل رأيًا معارضًا، لأننا لسنا تحت حكم يقضي على معارضيه.

وإن كان الديك يعارض طرح سؤال سياسي في برنامج غير سياسي أصلًا، فمشكلته أصبحت مع المقدم بيار رباط لأنه من طرح السؤال، وليست مشكلته مع سلام الزعتري، لأن حقه البديهي أن يقول ما يريده ضمن الحدود.