في معرض تشريحها للبنود الخمسة عشر في متن البيان المشترك الصادر في اعقاب المحادثات التي أجراها الرئيسان ميشال عون وفلاديمير بوتين في الكرملين، ترى مصادر سياسية سيادية عبر “المركزية” ما “تصفه بالخطير لجهة محاولة إقحام لبنان عنوة في صراع المحاور ووضعه في مواجهة الأشقاء العرب وقرارات جامعتهم، ونسفا لبيان الحكومة الوزاري لجهة “النأي بالنفس”.
واعتبرت أن “مجمل نصه يكاد يعكس إرادة روسية بتوجيه رسالة إلى واشنطن والرياض مفادها أن لبنان اتخذ قراره بالتموضع في الفلك الروسي-الإيراني-السوري”، مشيرة إلى “ما تناوله البند الرابع من تجاهل لمرجعية مؤتمري جنيف 1و 2 وتنصيب مؤتمر سوتشي مكانهما إذ جاء في مضمونه ما حرفيته: “إذ يحترمان استقلال الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها، وإذ إنهما مقتنعان بأنه لا بديل عن الحل السلمي للقضية السورية، يحبذان تسوية هذا النزاع من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية استنادا إلى قرار مجلس الأمن التابع للامم المتحدة رقم 2254، ومقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي”.
وتسأل المصادر في هذا السياق: “هل تخلى لبنان عن المرجعية الدولية ليلتحق بمؤتمر سوتشي الذي لا علاقة له به كونه فئويا يجمع محورا دوليا واحدا خلافا لجنيف؟”.
وأضافت: “عوض إشارة المادة الرابعة إلى جنيف كمرجعية دولية، تعقبها المادة السادسة لتورد الآتي: “يلحظ الجانبان العمل الفعال والمثمر الذي تقوم به روسيا وإيران وتركيا في إطار محادثات أستانة لخلق ظروف من أجل إطلاق العملية السياسية والحد من العنف في سوريا”. وفي هذا المضمون أيضا وأيضا، إقرار وتسليم لبناني بالمحور الثلاثي الروسي-الإيراني-التركي كمرجعية للحل السياسي في سوريا.
أما المادة الخامسة من البيان، التي تؤكد أن الجانبين “يدعمان بقوة الجهود التي تضطلع بها سلطات الجمهورية العربية السورية وحلفاؤها لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش” وجبهة النصرة والمجموعات المتفرعة عنهما”.
فتقول المصادر: “مع الإقرار التام الذي لا غبار عليه بإرهابية التنظيمات المسلحة من “داعش” إلى النصرة وما يتفرع منهما، وقد عانى لبنان ما عاناه في حربه ضدهما وقدم شهداء من جيشه الباسل في معارك تحرير اراضيه في “فجر الجرود”، فإن المجتمع الدولي يتهم النظام السوري بالإرهاب، فكيف للبنان أن يدعم جهود السلطات السورية في هذا السياق وهل المطلوب منا تقديم “براءة ذمة” لهذا النظام فيما يضعه المجتمع الدولي في خانة الإرهاب؟”.
وتتوقف المصادر عند البند السابع لناحية “تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجرين داخليا ويؤمنان بأن حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إعادة الإعمار ما بعد الصراع، ويدعوان المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية،” مشيرة إلى أنها “موضع ثناء ودعم من جميع اللبنانيين، تسأل إذا كانت العودة مرتبطة بتهيئة الظروف سياسيا واقتصاديا، فأين تكمن الفائدة في حث موسكو لبنان على التواصل مع النظام في حين أنها وحدها القادرة على الضغط عليه لوقف ترهيب النازحين وتقديم ضمانات عودتهم وعلى المجتمع الدولي مسؤولية تمويل العودة وإعادة الإعمار؟”.
وبالقفز فوق المادتين 8 و9 المتضمنتين دعما لولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لضمان سيادته ووحدته وسلامة أراضيه، مع غياب أي ذكر لدعوة إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة ولسيادة العراق وجهوده في مكافحة الإرهاب، تتوقف المصادر عند المادة العاشرة التي تجاهلت بالكامل المبادرة العربية للسلام، “سوف ينسقان مقارباتهما بهدف ضمان تسوية شاملة وعادلة في الشرق الأوسط ترتكز على إطار قانوني دولي ملائم. ويعربان عن أملهما بأن يتم إيجاد حل عادل ودائم للمشكلة الفلسطينية مع التشديد على ضرورة توفير حقوق وطنية للشعب الفلسطيني”.
وتبعا لذلك، توضح المصادر أن “نص البيان المشترك لا يمكن أن يشكل إجماعا لبنانيا في ضوء الانقسام العمودي شعبيا بين معسكري المحاور من جهة وكون تحديد تموضع لبنان دوليا مهمة منوطة حصرا بمجلس الوزراء الذي يرسم السياسة العامة للبلاد، وقد حددها في أبرز بنود بيانه الوزاري باعتماد “النأي بالنفس” وهي السياسة التي جعلته يغيب عن مؤتمر وارسو أخيرا. أما محاولة ضمه إلى الحلف مع موسكو أو إيران أو تركيا أو سوريا أو أي بلد آخر، فلن تجد طريقها إلى التنفيذ ما دام مجلس الوزراء قائما وسيكون لها بالمرصاد حتما”.