قرّر القاضي اللبناني أحمد مزهر إجراء مسْحٍ للأراضي اللبنانية المحتلة في خراج بلدات كفرشوبا، شبعا، هونين، العديسة وبليدا. وتُعدّ هذه الخطوة بمثابة وضع النقاط على الحروف كي يتنبه كلّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن قرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان لا يعني لبنان أبداً، وأنه مستعدّ للدفاع عن أراضيه واستعادتها ولو بالقوة.
وبما أن الحكومة أقرّت في بيانها الوزاري بالمقاومة المسلّحة كوسيلة لاستعادة الأراضي من قبل الشعب اللبناني المقاوِم وبالتالي أقرّت بالمعادلة الثلاثية «الجيش الشعب والمقاومة»، فبذلك تكون المواجهة أصبحتْ لا بدّ منها، لتصبح المبادرةُ بيدِ المقاومة حين تعتبرها مناسِبةً تحت عنوان استعادة الأراضي المحتلة اللبنانية التي تحتفظ بها إسرائيل.
وقد رفع سقف المواجهة الرئيس اللبناني ميشال عون من موسكو خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ضوء ما رشح عن رفضه الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة عبر موفديها إلى لبنان (وآخرهم وزير الخارجية مايك بومبيو) لمنْع عودة المليون ونصف المليون سوري مهجر إلى بلاده. وكذلك رفض اعتبار الجولان السوري المحتلّ الذي «أهداه» ترامب – دون أن يكون يملكه إلى حليفه نتنياهو وسط استنكار دولي وعربي شامل.
وانطلاقاً من هذه «الهدية» من غير الواضح إذا كان الجولان المحتلّ يعني الاستيلاء على الأراضي التي احتلتْها إسرائيل بما في ذلك الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا). وهذا ما دفع لبنان لأخذ الخطوة الأولى نحو مسْح الأراضي اللبنانية المحتلة وضمّها للخرائط اللبنانية الإدارية والعقارية رسمياً، وتالياً فإن أي محاولة لاستعادة هذه الأراضي أو ضرْب قوات احتلال تتمركز فيها يكون من حقّ المعادلة الثلاثية التي أقرّتها الدولة اللبنانية بكامل قيادتها السياسية والعسكرية.
ورفع عون من موسكو قضية «هدية» ترامب لنتنياهو بدءاً من القدس وانتهاءً بالجولان، من باب ان لبنان لا يقبل بهكذا اعتراف لوجود فلسطينيين على أرضه، وهو الذي يدعم «حق العودة» ويعلم أيضاً معنى وجود مئات الآلاف من المهجّرين من أراضيهم. فمشروع أميركا يبدو واضحاً للسياسين اللبنانيين – بحسب مصادر في القرار اللبناني – ألا وهو توطين السوريين لإبقائهم في لبنان لأنهم معادون لـ«حزب الله» وهذا من شأنه محاربة الحزب وجمهوره بطريقة أخرى على مدى السنين، لا سيما ان الحرب المباشرة التي قامت بها إسرائيل لانهاء هذا الحزب فشلت وأن أداءه في الانتخابات البرلمانية (حصل على أكبر عدد من الأصوات متغلباً على كل الأحزاب والطوائف الأخرى) فاجأ الجميع.
وينبع إصرار عون على عودة النازحين، رغم الإغراءات المادية الكبيرة التي تقدمها أوروبا وأميركا لإبقاء هؤلاء، من أن الأمر يخلّ بالتوازن الطائفي. لأن المسيحيين أصبحوا أقلية أمام المسلمين، وان التطرف الذي ضرب الشرق الأوسط وأمنه واستقراره لم يحمل الغرب المسيحي على حماية الأقلية في لبنان وسورية والعراق بل عرض عليهم مغادرة أراضي أجدادهم. إضافة إلى أن وجود النازحين يضع لبنان تحت عبء أمني واقتصادي ويرهق البنية التحتية الضعيفة لأن عدد النازحين يوازي ثلث عدد سكان لبنان.
إلى ذلك، ثمة من يعتقد ان مشروع أميركا يهدف الى ضرب الرئيس بشار الأسد بإبقاء نحو 5 ملايين سوري نازحين في لبنان والأردن وتركيا لمنع إقامة الانتخابات الرئاسية والحؤول دون عودة هؤلاء كي لا ينخرطوا في الجيش لإعادة بنائه ولا يساهموا في الإعمار كيد عاملة أساسية محترفة. وكل هذا لا يعني لبنان ايجابياً ولا يضيف الى قوته بل يجعله في صف أعداء سورية وهي بلد حدودي يحتاج اليها لبنان في مجالات عدة.
لقد جعل ترامب الشرق الأوسط أقل أمناً بإعطاء ما لا يملكه لإسرائيل حين لم تكن تحتاجه، إذ تسيطر عليه أصلاً ولا تنوي سورية استعادته في السنوات القليلة المقبلة لحاجتها لإعادة بناء كل شيء تهدّم فيها.
وكانت سورية اختارت المفاوضات السلمية لاستعادة الجولان إيام الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي قال حينها إنه غير مستعجل لأنه يريد الجولان بشروط سورية، واذا لم يستطع استعادة الأرض اليوم فإن الأجيال القادمة كفيلة بذلك. ولم تجعل أميركا الشرق الأوسط أكثر أمناً بفرض نفسها على لبنان بإبقاء النازحين فيه أو مهاجمة فئة أساسية في مجتمعه وفرْض العقوبات المتدحرجة عليه. ولم تجعل فلسطين – القضية الأساسية الشرق أوسطية – أكثر أمناً لأنها أعطت القدس لإسرائيل ولم تعد شريكاً في أي عملية سياسية تعطي دولة للفلسطينيين. وأميركا غير مرغوب بها في سورية لأن وجودها أصبح غير شرعي بعد إنهاء احتلال «داعش» لأيّ أرض فيها.
ويبحث البرلمان العراقي كيفية خفض عدد القوات الأميركية لأنه يخاف من وجودها لدعم «داعش» كما يعتقد نواب يخافون من إخراجها للسبب نفسه. فهل تبدأ الشرارة الأولى من لبنان ضدّ إسرائيل حين ترى مقاومته انه حان الوقت لمجابهة الغطرسة الأميركية والإسرائيلية؟