كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
قبل أن يجفَّ حبرُ الإعتراف الأميركي بـ «أسرلة» الجولان السوري المحتل، وقبل أن تنتهي تداعياتُ زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبيروت مع ما تلاها من تردّدات لمواقفِه الحادة، أعطت القمة اللبنانية ـ الروسية إشارة بالغة الدقة عن توجّهات لبنان الخارجية في المستقبل، خصوصاً أنّ لبنان بات «عضواً مراقِباً» في مؤتمر «أستانة» الذي يُعقد بنسخته الخامسة نهاية الشهر المقبل. فما الذي تعنيه هذه الخطوة؟
لم يتوقف كثر من المراقبين والسياسيين اللبنانيين عند ما تضمّنه المحضر الرسمي الذي عمّمه المكتبُ الإعلامي في المديرية العامة لرئاسة الجمهورية من إشارة الى الإقتراح المشترك الذي قدمه وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف واللبناني جبران باسيل لقمّة الرئيسين اللبناني ميشال عون والروسي فلاديمير بوتين والقاضي «أن يشارك لبنان في مؤتمر أستانة بصفة مراقب لكي يكون على تماس أكثر مع الحلّ السياسي للأزمة السورية وموضوع عودة النازحين واعادة اعمار سوريا». حسبما جاء في المحضر الرسمي حرفياً عند الإشارة الى مجرى النقاش بين المشاركين في اللقاء.
وإذ لم يتضمّن المحضر الجواب أو القرار النهائي الذي انتهت اليه اعمالُ القمة حول مضمون هذا الإقتراح، فقد كشفت مصادرُ المجتمعين انّ بوتين تبنّى الإقتراح وانتهت المناقشات الى ضرورة إجراء الإتصالات اللازمة تمهيداً لدعوة لبنان الى المشاركة في هذا اللقاء المرتقب في 29 و30 نيسان المقبل.
فأمام بوتين محطات اساسية تسبق وضع اللمسات الأخيرة على جدول اعمال المؤتمر وهوية المشاركين فيه. علماً انّ ما هو مرتبط بمثل هذه الإجراءات لا يرتبط القرار بما يريده بوتين وحده.
فهناك طرفان من الواجب استشارتُهما قبل توجيه الدعوة الى لبنان وهما نظيراه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب الطيب اردوغان الذي سيحلّ ضيفاً على بوتين في الكرملين في 8 نيسان المقبل من اجل استكمال البحث في جملة قضايا ومن أبرزها المرحلة الخامسة من أستانة.
بالإضافة الى مصير المنطقة الآمنة العازلة التي تعثّرت ولادتُها في الشمال السوري بعدما تبيّن انّ قرار الإنسحاب الأميركي من المنطقة ليس على النار، وهو ما ادّى الى فرملة هذه المساعي، بالإضافة الى استمرار الخلاف بين النظرة السورية ـ الإيرانية الداعية الى تسليمها للجيش السوري النظامي دون سواه من القوى الموجودة على الأراضي السورية من جهة وبين النظرة التركية الداعية الى وجوب إقامة هذه المنطقة على الأراضي الواقعة شرق الفرات، وإدراتها مباشرة بلا أيّ شريك سوري أو روسي من جهة أخرى، على رغم من اقرارها بترك غرب الفرات لـ«قوات سوريا الديموقراطية» والأميركيين، باستثناء منبج التي تخضع لترتيبات تركية ـ أميركية مشتركة لم يغب عنها الجانب الكردي حتى الأمس القريب.
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الخطوة التي ستغيّر من مجرى السياسة الخارجية اللبنانية في المستقبل لمجرد الإنخراط في محور «أستانة» ولو بصفة مراقب على وقع النزاع القائم بينه ومحور «جنيف»، لا بد من الإشارة الى انّ مثل هذا الإقتراح ليس جديداً.
ففي العام 2015 أوصت ندوة عُقدت في «بيت المستقبل» في بكفيا وخُصّصت للبحث في مصير النازحين السوريين وبرامج العودة أن يشارك لبنان في المساعي الدولية التي تخوض غمار البحث عن الحل السياسي في سوريا وفي ملف اعادة النازحين السوريين من دول الجوار السوري ولبنان أحدها.
لكنّ هذه التوصية بقيت مغمورة وعلى مستوى الخبراء الى أن أوصت بها ورشة دعا اليها «مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني» في 17 تشرين الأول 2017 تحت عنوان «لبنان والنزوح السوري.. الأعباء وأولويّة العودة».
فبعد التشديد على رفض التوطين وضرورة تأمين العودة الآمنة للنازحين الى بلادهم في اسرع وقت ممكن حفاظاً على كرامتهم وهويتهم الوطنية دعت الى «التنسيق» مع الأمم المتحدة لما فيه: «أولاً، تحقيق خير النازحين انفسهم، وثانياً، الحفاظ على نهائية الكيان اللبناني ودستوره والمصلحة الوطني العليا».
وأوصت الندوة يومها بالآتي: «المشاركة في مفاوضات مسارَي «جنيف» و«أستانة»، وتحديداً في شأن عودة النازحين والمطالبة بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي وصدور قرار أو بيان عنه يدعم جهود لبنان في عودة النازحين الى سوريا بالطرق الآمنة وفقاً للمواثيق الدولية».
كذلك أوصت الورشةُ نفسُها بضرورة «إعداد تقرير الى الأمين العام للأمم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى بطلب عدم تطبيق كل أحكام قانون اللاجئين (1951) على الحالة اللبنانية في اعتبار انّ لبنان غيرُ منضمّ الى هذا القانون أصلاً وكذلك في إعتبار انّ عدد اللاجئين على أرضه من مختلف الجنسيات يفوق نصفَ سكانه في الأساس».
وبناءً على ما تقدّم، كان لا بد من هذه الإشارة لفهم خلفيات ما طرحه لافروف وباسيل على قمة عون ـ بوتين، وللتأكيد انه ليس اقتراحاً جديداً، أو أنه ظهر من عدم، فقد تمّ التداولُ فيه مرات عدة ليكون لبنان حاضراً في المنتديات التي تتناول ملفات النازحين وبرامج العودة، وليقرّر على ضوء ما هو مطروح في معظمها من إجراءات وآليات عمل، وبالتالي لا يرتبط الأمر بالموقف الأميركي من المحور نفسه أو من الآليات المعتمدة لضمان العودة.
ولذلك تقول مصادر ديبلوماسية إنّه في حال دعوة لبنان الى أستانة، هل سيُعتبر الأمر خروجاً لبنانياً على آلية «جنيف» التي تؤيدها واشنطن ليكون في المواجهة معها في ظل رفضها مسارَ «أستانة». فواشنطن لا تشارك في المحور الثاني على رغم من مشاركة الأمم المتحدة وحضورها بكامل طواقمها، ولكن هل يمكنها أن تعترض على المشاركة اللبنانية فيه؟.
تردّ مراجع ديبلوماسية لبنانية مؤكدة أن ليس بين التوقعات أن ترفض واشنطن مشاركة لبنان في «أستانة 5»، فالبتُّ بالمشاركة من عدمها ما زال ضمن هامش الحركة السيادية اللبنانية وهو خيار وطني لبناني لا نقاش فيه. وإنّ من حق لبنان أن يكون حاضراً في المنتديات التي تناقش ما يعنيه من قضايا، فكيف بالنسبة الى ملف شائك وخطير كملف النازحين الذي ينعكس مخاطرَ جمّة على حياة اللبنانيين بمختلف وجوهها؟