كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
يوم الأحد المقبل تنتهي ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة: رائد شرف الدين، سعد العنداري، محمد بعاصيري، وهاروت صاموئيليان، ما يعني أن عدم التجديد لهم قبل انتهاء الولاية بات بحكم المحسوم، في ظل عدم انعقاد مجلس الوزراء هذا الأسبوع. وبات لزاماً على النواب الأربعة الحاليين ترك مواقعهم الوظيفية وتصفية وضعهم في مصرف لبنان، تطبيقاً للمادة 24 من قانون النقد والتسليف التي توجب تسديد تعويض مساوٍ لرواتبهم عن سنتين في حال عدم تجديد الولاية.
القوى السياسية لا تزال تبدي تكتماً تجاه هذا الاستحقاق. رئيس الجمهورية ميشال عون، كان يرفع شعار التغيير الشامل في المواقع المالية الشاغرة، وأبرزها نواب الحاكم الأربعة وهيئة الأسواق المالية ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان. لكن على ما يبدو، تراجعت حظوظ المعركة الشاملة وانحصرت بمعركة مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان وهيئة الأسواق. وتعزّز هذا الأمر بعد زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لرئيس مجلس النواب نبيه بري. فقد نقل سلامة رغبة رئيس الحكومة سعد الحريري في إعادة تعيين النائب الثالث محمد بعاصيري، علماً بأن هذا الأخير يعدّ بمثابة الوديعة الأميركية في مصرف لبنان. وفي المقابل، ردّ برّي بأن موقفه لم يتغيّر من هذا الملف لجهة إعادة تعيين النائب الأول رائد شرف الدين في حال التجديد لأيٍّ من نواب الحاكم الأربعة الحاليين.
هذا التوافق بين الحريري وبري بواسطة سلامة، لا يحسم الأمر نهائياً، بل يثير الكثير من التساؤلات عن المعركة الشاملة التي يحاول عون خوضها، وعن مصير النائب الدرزي سعد العنداري بعد الوعد الذي قدّمه النائب وليد جنبلاط إلى فادي فليحان بتعيينه نائباً للحاكم بدلاً من العنداري. كذلك الأمر بالنسبة إلى النائب الأرمني هاروت صاموئيليان، إذ تردّد أن حزب الطاشناق كان يسعى لتغييره منذ تعيينات نواب الحاكم الأخيرة، إلا أنه بسبب صلة القرابة التي تجمعه برئيس حزب الطاشناق، لم يصل الأمر إلى مرحلة التغيير في تلك الفترة.
وإن صحّ الأمر، فإن اتفاق الحريري وبري يسهّل للتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية المفاوضة على مركز مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان الذي يشغله حالياً بالوكالة المدير العام للدوائر العقارية جورج المعراوي. فانتهاء ولاية نواب الحاكم وترك مواقعهم في مصرف لبنان، «يعفي» عون من الضغط الذي كان يمثّله موعد انتهاء الولاية، ومطالبة الحاكم بالتجديد لنوابه قبل نهاية الشهر الجاري. ولا شك في أن المستفيد الأكبر من إعادة تعيين بعاصيري وشرف الدين هو سلامة الذي يأمل أن يعود نوابه الأربعة إلى مواقعهم. فالنواب ليسوا مشاكسين، ولا يرفعون أي اعتراض في وجه سلامة، وهذا ما يدركه الحاكم الذي لا يريد أن تتكرّر تجاربه السابقة مع ناصر السعيدي وأحمد الجشي اللذين لم يتركا مناسبة للاعتراض على سياساته النقدية والمالية، ووجها انتقادات لاذعة وصلت في بعض الأحيان إلى العلن.
تجدر الإشارة إلى أن نواب الحاكم أعضاء أساسيون في المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يضم أيضاً المديرين العامين لوزارتي المالية والاقتصاد. وفي حال شغور مواقع نواب الحاكم، فإن الأخير يملك صلاحية واسعة في اتخاذ القرارات بشكل منفرد تسييراً للمرفق العام. رغم ذلك، لم يجد سلامة مانعاً في اتخاذ الكثير من القرارات، بعيداً عن أعين المجلس المركزي ورقابته، وأبرزها الهندسات المالية في صيف 2016 التي أطلع عليها المجلس بعد تنفيذها.