كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
منذ إطلاق الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري في 7 آذار الجاري عملَ الماكينة اللوجستية للتيار لانتخابات طرابلس الفرعية، بدا الثنائي الحريري والمرشّحة المطعون بنيابتها ديما جمالي كمَن يخوض معركةً مع «الأشباح». اليوم، وقبل ساعاتٍ من إقفالِ بابِ الترشيح لهذه الانتخابات، يجتمع أعضاءُ «لائحة الكرامة» في منزل النائب فيصل كرامي لإعلان عدم خوض المعركة الفرعية وللقول «طه ناجي «نائب» بحكم قرار المجلس الدستوري»!
من الآن حتى موعد فتح الصناديق في 14 نيسان المقبل يستنفر تيار «المستقبل» وحلفاؤه قواعدهم الشعبية في غياب مرشح من فريق 8 آذار «كامل أوصاف» المواجهة. «النزهة» ستكون سهلة لجمالي، لكن غيرُ مرضية: فوزٌ بنكهةٍ باهتة ربطاً بنسبة الاقتراع المتوقع أن تكون متدنّية وقد تصل الى 20%، أي الى النصف مقارنةً بالانتخابات الماضية!
عناوينُ كبيرة تصلح لمعركة مصيرية على قاعدة «قاتل أو مقتول» يرفعها الحريري في جولاته الانتخابية «ترافقه» المرشحة جمالي. إبنةُ طرابلس تكتفي خلال اللقاءات بعرض «إنجازاتِها»، كما تقول، في الأشهر القليلة الماضية بمجلس النواب، فيما «التجييشُ» السياسي ورفعُ السقف متروكان للأمين العام الذي بات خبيراً في لغة مخاطبة الشارع الطرابلسي. زياراتُه الأسبوعية الى عاصمة الشمال تدخل ضمن رزنامة يومياته الحزبية، لكن هذه المرة يتأبّط مرشحة «المستقبل» التي احتاجت الى «كاسحة ألغام» أمامها لتعبُر مجدداً الى ساحة النجمة.
وضمن لقاءاته مع المرجعيات والقيادات الطرابلسية يحلّ أحمد الحريري اليوم «ضيفاً فوق العادة» في منزل اللواء أشرف ريفي في طرابلس.
الأمين العام الذي كان أحدَ المعارضين لتجاوز ما إقترفه ريفي في حق الحريري و»تياره» يقول لـ «الجمهورية» بعد مرحلة الخلاف الطويلة والحادة مع الضابط السابق: «اللواء ريفي من أهل البيت، وما يجمعنا أكبر بكثير ممّا فرّقنا، وسأزوره السبت (غداً) من ضمن زياراتي لقيادات المدينة»، مضيفاً: «فُتِحت اليوم صفحةٌ جديدة سنبني عليها، وعلى ما بنيناه معاً في السابق، من أجل مصلحة طرابلس، ومن أجل وحدتها».
«المعركة هي معركة كل تيار «المستقبل»، يقول الحريري، فيما جمهورُ هذا التيار يبدو كمَن يُجرّ الى حلبة خرج لتّوه منها منهكاً ومحبطاً. عملياً، لم تكن هناك مصلحة لأيّ طرف سياسي في خوض مواجهة غير مرغوبة في هذا التوقيت. قد يكون ريفي صاحب المصلحة الأوحد في ردّ الاعتبار لنفسه، بتسجيل «رقم ما»، وليس بالضرورة الفوز، لكن باكراً سلّم سلاحَه ورفع الراية البيضاء تحت عنوان «طيّ صفحة الشرذمة والخلافات»، مع تسليمه بأنّ المصالحة مع الرئيس سعد الحريري «خسّرته» مقعداً نيابياً!.
إنضمامُ ريفي الى «محور» الحريري شكّل أحدَ الأسباب الأساسية لإنسحاب «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» من حلبة المواجهة، وفق أوساطها. نزولُ الضابط السابق الى الحلبة بوجود مرشحين آخرين أيضاً، كان سيشتّت الأصوات بما يمنح مرشح «الأحباش» فرصةً كبيرة لقلب المعادلة.
في معركة «الكل» ضدّ واحد لا مجالَ للحديث حتى عن معركة إثبات وجود مع «التيار الأزرق»، والى جانبه الرئيس نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وريفي، النتيجةُ محسومةٌ برقم قد يشكّل نكسةً للمرشح طه ناجي الذي يفاخر مع فريقه الداعم له في أنّ قرار المجلس الدستوري أعطاه «صكّ مُلكية» بمقعد نيابي… مع وقف التنفيذ!
«وَجعةُ الرأس» ستخاض بلا مال ولا «قوة ضاربة» إنتخابية تدفع في اتجاه رفع نسبة المشاركة الى الحدّ الأقصى. والتوقعات حتى الآن تشي بانتخاباتٍ باردة، لن يساهم ترشيحُ سامر كبارة ابن شقيق النائب محمد كبارة ولا المرشح السابق للانتخابات صاحب «البروفيل» المدني يحيي مولود (حصل على 909 أصوات في الانتخاابت الماضية) في إضفاء طابع التشويق عليها. لكنّ المتوافر من المعطيات يشير الى «ضغط لا يزال يمارسه «المستقبل» وقياداتٌ سياسية لدفع المرشحَين «المغامرَين» الى سحب ترشيحهما تمهيداً لإعلان فوز جمالي بالتزكية».
كلُّ أزمات الحكومة، وهواجسُ العهد، وهمومُ الخوف من إنهيار وشيك في كفة و»معركةُ الأمين العام»، وتيارُه، في كفة أخرى. ومنذ اللحظة الأولى رفع السقف و»اخترع» خصماً غيرَ موجود.
وصل الأمر الى حدّ تصوير «حزب الله» يخوض معركة «تكسير رأس» تيار «المستقبل» في أحد معاقله، مع العلم أنّ المعطيات تؤكد أنّ الحزب نأى بنفسه كلياً عن «فرعية طرابلس»، وقد نُقل عن أوساط قريبة منه أنّ «الحزب يعمل داخلياً على جبهة أساسية عنوانها مكافحة الفساد ولن يضيّع «ثمار» ما يجنيه من أجل مقعدٍ نيابيٍّ قد يُدخله في مواجهة مع الحكومة برمتها».
في المقابل تقول مصادر «المستقبل» إنّ «لهذه الانتخابات الفرعية أبعاداً سياسية، وأحدها أنّ حلفاء الحزب في طرابلس كانوا وراء الطعن بإبطال نيابة جمالي، كذلك كانوا في صلب «اللقاء التشاوري» الذي تبنّاه «حزب الله»، وأعضاؤه يفاخرون بذلك». وتضيف: «إذا قرّر حلفاءُ الحزب خوضَ المعركة التي فرضوها على طرابلس بالضغط الذي مورس لقبول الطعن، ستكون المعركة مع حلفاء الحزب في طرابلس، وإذا قرروا النأيَ بأنفسهم عنها، تكون معركتُنا لتثبيت نتائج الانتخابات الماضية».
ولم يتوانَ الأمين العام لتيار «المستقبل» عن إستحضار شباط 2005 عبر التحذير من أنّ «التراخي قد يؤدي الى 14 شباط جديد ومَن يقتل مرة يقتل مئة مرة ونرى ماذا فعل في سوريا بالأطفال والناس، والتغطية الدولية التي كانت على رفيق الحريري كبيرة، «وقال وقتها ما بيسترجو واسترجو»، اليوم التغطية الدولية علينا ليست كتلك التي كانت على رفيق الحريري».
يؤكد الحريري لـ «الجمهورية» أنّ معركة ديما جمالي في غياب مرشح عن قوى الثامن من آذار هي «لتثبيت نتائج الانتخابات، وفي وجه أيِّ مرشح يمكن أن يساهم في تغييرها». ويرى أنّ مواكبته لجولات المرشحة جمالي «أمرٌ طبيعيّ بحكم وجودي الدائم في طرابلس، كما كنتُ موجوداً في الانتخابات الماضية، وكما أكون في المدينة مع أهلها وناسها، في جولاتي الاسبوعية بمعزلٍ عن أيِّ انتخابات، كوني الأمينَ العام لتيار»المستقبل» أولاً، وانطلاقاً من كون معركة الانتخابات التي عاودنا فيها ترشيح ديما جمالي هي معركة كل تيار «المستقبل».
وعن رأيه في ترشيح سامر كبارة يؤكد الحريري: «لكل طرابلسي الحق في الترشح في هذه الانتخابات، من ضمن اللعبة الديموقراطية».
وعن رفع السقف السياسي في خطاباته وصولاً الى إستحضار 14 شباط يوضح الحريري: «تاريخ 14 شباط تاريخ مؤلم خسرنا فيه رفيق الحريري الذي لا يمكن أحدٌ أن ينساه. ونحن نقرأ في كتاب مسيرته كيف نحافظ على ما حققته للبنان من إنجازات، وكيف نبني عليها من أجل لبنان، كما يفعل اليوم الرئيس سعد الحريري الذي يخوض في تفاهمات وتسويات، ولو على حساب رصيده السياسي والشعبي، من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وتأمين ظروف إنجاح مسيرة النهوض الثانية من خلال «سيدر» الذي ستكون لطرابلس بالذات حصة كبيرة منه». وماذا عن الضغط لفوز جمالي بالتزكية؟
يجيب الحريري: «نحن نقوم بعملنا، ونعدّ عدّتنا لخوض الانتخابات تحت سقف اللعبة الديموقراطية ومصلحة طرابلس وأهلها».