كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:
بدأ الاشتباك السياسي حول ملف الكهرباء يرتفع تدريجياً مع استعداد اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، المكلفة دراسة الخطة التي أعدتها وزيرة الطاقة ندى البستاني، لمعاودة اجتماعها لعلها تتوصل إلى توافق يؤدي إلى ردم الهوّة التي ظهرت في اجتماعها الأول بسبب الانقسام بين أعضائها.
والاشتباك السياسي بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والوزيرة ندى البستاني، هو عيّنة لأجواء الخلاف داخل اللجنة لأن ما قاله الأول حول ملف الكهرباء يلقى تأييداً من أطراف أخرى حتى لو لم تبادر إلى إعلان ذلك.
وتكمن أسباب الخلاف في الخطة التي أعدتها البستاني في أن الأخيرة تصر على اتهام مَن لا يؤيدها بأنه يعيق إقرارها، وبالتالي فهي تعتبر أن السياسة الكهربائية التي اتبعها «التيار الوطني الحر» منذ أن تعاقب الوزراء المنتمون إليه على تسلّم حقيبة الطاقة بدءاً من عام 2010، كانت وما زالت صائبة وأن مَن يعترض على خطة الكهرباء هو من أعاق إنشاء المعامل لتوليد الطاقة كحل دائم يؤدي إلى الاستغناء عن استئجار البواخر لتأمين بعض النقص في التغذية بالتيار الكهربائي.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن الوزيرة البستاني، ومن خلالها «التيار الوطني» الذي تنتمي إليه، تقدّمت أخيراً بعرض تعتقد أنه سيسهم في التغلّب على نقاط الخلاف. وكشفت المصادر الوزارية أن البستاني تشترط في عرضها الجديد أن يُصار أولاً إلى الموافقة على خطة الكهرباء التي أعدتها، على أن تتبعها إعادة تشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان.
ولفتت أيضاً إلى أن البستاني تشترط ترحيل موافقتها على تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء إلى ما بعد تعديل قانون الكهرباء. وهذا يلقى معارضة من معظم الأطراف في الحكومة وفي اللجنة الوزارية لأن هذا العرض في حاجة إلى ضمانة لقطع الطريق على احتمال التلكؤ في تعديله.
ورأت المصادر أن خطة الكهرباء المقترحة من «التيار الوطني» لن ترى النور ما لم يتأمن التلازم بين إقرارها وبين إعادة تشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، خصوصاً أن الحكومة التزمت أمام مؤتمر «سيدر» بتشكيلها كبند أساسي لإصلاح هذا القطاع وخفض العجز فيه الذي يكبّد خزينة الدولة أكثر من مليار و700 مليون دولار سنوياً.
وسألت: كيف يمكن تأمين الربط بين الحل الموقت والآخر الدائم، ما دام هناك مَن يؤخر إعادة انتظام العمل في مؤسسة كهرباء لبنان وتعيين الهيئة الناظمة؟ وهل يعني هذا التأخير أن هناك من يريد أن يطلق يد البستاني ومن يساعدها من خبراء وفنيين في إدارة قطاع الكهرباء وإلا ما الجدوى من هذا التأخير المدروس؟
كما أن الربط بين الحل الموقت والآخر الدائم يبقى حبراً على ورق لأنه ما الفائدة من إنشاء معامل جديدة لتوليد الكهرباء بقدرة أكثر من 1300 ميغاوات ما لم تكن متلازمة مع إعادة تأهيل خطوط النقل وشبكات التوزيع كأساس لوقف الهدر التقني؟
وقالت المصادر الوزارية إنه سبق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن أحضرت معها في زيارتها لبيروت رئيس شركة «سيمنز» الذي أبدى استعداده لإنجاز دراسة كاملة حول قطاع الكهرباء من شأنها أن تشكّل خريطة طريق لإصلاحه تدريجياً، خصوصاً أنه ركّز على ضرورة وقف الهدر التقني.
ومع أنه لم يقدّم عرضاً مكتوباً فإن مجرد استعداده لمساعدة لبنان لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، يشكّل بداية -كما تقول المصادر الوزارية- لوضعه على سكة إصلاحه. ناهيك بأن البستاني تحاول الالتفاف على دور إدارة المناقصات في استدراج العروض لإنشاء معامل جديدة تمهيداً لتلزيمها، وهي تقترح بأن تُناط هذه المهمة باللجنة الوزارية، لكن للآخرين رأيهم أن تتولى اللجنة وضع دفتر الشروط على أن يكون التلزيم محصوراً بإدارة المناقصات.
كما أن الاستملاكات للأراضي التي ستقام عليها المعامل الجديدة، ومنها معمل سلعاتا، يمكن أن تثير جدلاً حول المبالغ التي يتوجب على الدولة دفعها لأصحاب هذه العقارات وهذا يتطلب تشكيل لجنة حيادية تتولى تحديد الأسعار لتبديد الشكوك.
لذلك فإن جعجع ليس وحيداً في معركته لإدخال إصلاحات أساسية على خطة الكهرباء بغية تنقيتها من الشوائب، ومن يظن أنه سيبقى وحده سرعان ما سيكتشف مع انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية أن هناك من يشاركه في رأيه.
وعليه تقول المصادر الوزارية إن البستاني لن تحيد عن الأفكار التي سبق لأسلافها في وزارة الطاقة أن طرحوها، مع فارق يعود إلى أنها تتحدث -حسب قطب نيابي- بدبلوماسية هادئة خلافاً للآخرين الذين شغلوا هذه الوزارة.
كما أن البستاني التي تعاملت مع موقف «القوات» حيال خطة الكهرباء على أنه يحمل أفكاراً هدّامة، تريد تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن السياسة الكهربائية لـ«التيار الوطني» كانت وما زالت على حق منذ أن شغل حقيبة الطاقة في 2010.