كتب غاضب المختار في صحيفة “اللواء”:
ستبقى زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى موسكو موضع اهتمام وترقب الى حين ظهور نتائجها العملية على المستويات السياسية والاقتصادية، تماماّ كما هي زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت، والتي كادت ان تخلق توتراً سياسياً لا مبرر له، سوى محاولة خدمة سياسة واشنطن حيال لبنان وضمه الى محورها المناهض لإيران و«حزب الله»، بينما زيارة عون موسكو لم تسبب اي انقسام او خلاف، خاصة مع توافق كل القوى السياسية على ضرورة الاستفادة من الدعم الروسي في مجالي عودة النازحين السوريين والاستثمار الاقتصادي والنفطي.
والسؤال المطروح، هل كانت زيارة عون لموسكو مجرد زيارة بروتوكولية عادية لدولة كبرى صديقة للبنان، ام انها تستبطن ايجاد حليف دولي كبير للبنان من اجل مواجهة الضغوط والسياسة الاميركية تجاه لبنان والمنطقة، والتي تهدد بتوتر كبير نظراً لما يمكن ان يلعبه الروس في تحقيق توازن العلاقات بين لبنان والجبارين الاميركي والروسي.
بهذا المعنى تقول مصادرمتابعة للزيارة، انها «زيارة استراتيجية» تحمل ثلاثة ابعاد قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، حسب الملفات التي ستظهر كيفية مقاربتها قريبا وتباعا من حيث:اولا تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية اولا.
وثانيا، معالجة ملف النازحين بعدما اثمرت الاجتماعات عن توافق على «تفعيل التنسيق الثلاثي بين لبنان وسوريا وروسيا لاتخاذ اجراءات اضافية لتسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم»، وثالثاً التصدي السياسي للاحادية الاميركية التي تخلق توترا واصطفافات في المنطقة لمصلحة اسرائيل على حساب قضايا العرب ومنها قضية لبنان مع الاحتلال الاسرائيلي.
ولذلك ترى المصادر ان الرئيس عون اختار تعزيز العلاقة من روسيا لخلق نوع من التوازن بين الاميركي والروسي، عبر خيار سياسي راسخ لديه بأن سياسة «النأي بالنفس» يجب ان تشمل كل المحاور والقوى العظمى والتحرر من أي التزامات تجاه اي محور إلا بما يتناسب مع مصلحة لبنان. وبهذا يبقى لبنان محافظا على علاقته بالاميركي كونه يقدم له الدعم السياسي والعسكري بشكل خاص، ويطوّر علاقته بالروسي ليحظى بدعم سياسي واقتصادي، وفي الحالتين يكون لبنان مستفيدا من علاقاته المتوازنة مع كل الدول والقوى الكبرى منها بشكل خاص، لا سيما وأن عون سيقوم ايضا بزيارة الصين لاحقاً في اطار تفعيل العلاقات مع الدول المحورية في العالم، والتي كانت مقررة في فترة قريبة وتأجلت بسبب كثرة الارتباطات وبخاصة زيارة موسكو ومن ثم القمة العربية في تونس بعد ايام.
وبغض النظر عما اذا كان يمكن الرهان على الروسي في حماية لبنان من الشروط والمتطلبات الاميركية الصعبة، وفي تنفيذ مبادرة عودة النازحين طالما انه ليس بمقدوره وحده تنفيذ هذه المبادرة ويطلب تمويلا من المجتمع الدولي، فإن الرهان لا زال قائما على ان المبادرة الروسية لم تفقد دورها وان فقدت زخمها، وهي بصدد ان تشهد دفعا قويا عبر زيادة التنسيق مع السلطات السورية لتزخيم العودة.اما في الشأن الاقتصادي، فإن الرهان اكبر على العلاقة مع روسياوالصين، كون الاولى ستكون المستثمر الاول والاكبر في النفط والغاز كبداية، والثانية ستكون المستثمر الاكبر في السوق اللبنانية خلال فترة قليلة، وظهرت اولى تباشيرها بالمشاريع التي تنوي اقامتها في البقاعين الاوسط والغربي.
وتوضح المصادر ان زيارة روسيا جاءت في سياق الاهتمام الروسي باوضاع المنطقة العربية ووجودها في قلب الاحداث فيها، لا سيما في سوريا، سواء الان في حالى تصفية جيوب المجموعات الارهابية، او في الحل السياسي المرتقب، ولبنان كان الاكثر تضررا من الحرب وسيكون الاكثر استفادة من حالة السلم واعادة الاعمار في سوريا.
وتشير المصادر التي واكبت الزيارة ان الرئيس الروسي احاط الرئيس عون والوفد الرسمي باهتمام شديد، بدليل ان اجتماعات الكرملين استمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة، بينها لقاء قمة ثنائية استمر 35دقيقة، ثم الاجتماع الموسع الذي استدعى اليه بوتين كل الوزراء الاساسيين المعنيين بالسياسة والاقتصاد والنفط، ثم غداء العمل، وقالت ان دليل الاهتمام الروسي تجلى بقول الرئيس بوتين للرئيس عون في ختام الاجتماعات: «انه يوافق على كل ما يطلبه لبنان، وقد كان اللقاء ناجحا جدا ونحن نعوّل عليه كثيرا».
هل يعني ذلك تخلي لبنان عن علاقته القوية بالولايات المتحدة؟ بالطبع لا، لكنها محاولة لبنانية للتملص من اي التزامات سياسية او اقتصادية تريد اميركا ان تفرضها على لبنان في حربها ضد ايران، خاصة ان روسيا والصين بدأتا بتقديم اغراءات للبنان تدفعه الى اعتماد خيارات «تحررية» اكثر في السياسة وفي تنفيذ مترتبات مؤتمر «سيدر» الاقتصادي