كتب أنطوان الاسمر في صحيفة “اللواء”:
كانت لافتة الحملة السياسية البحتة، المحلية الصنع، على النتيجة التي خرجت بها القمة الرئاسية اللبنانية -الروسية في مسألة النازحين السوريين، حتى قبل أن يتبيّن للحاملين الخلاصات الصائبة لهذه القمة.
إرتكز هؤلاء على عبارة «حلّ هذه المشكلة (مشكلة النازحين) يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال اعادة الاعمار ما بعد الصراع»، الواردة في البيان الختامي للقمة، ليستنتجوا فشل المسعى الرئاسي اللبناني لدى موسكو لدعم الطرح القائم على تأمين العودة الآمنة للنازحين غير المشروطة وغير المرتبطة خصوصا بالحل السياسي.
من الواضح أن هذه الحملة هي إمتداد متعمّد للموقف المعارض لعودة النازحين السوريين، إنطلاقا من تلاقي القوى المعارضة مع إصرار بعض عواصم القرار على إبقاء النازحين ورقة سياسية يقارعون فيها المحور الإيراني – السوري لحظة بدء المسيرة النهائية للحل السياسي. وهذا التلاقي الداخلي مع الرغبة الدولية ليس وليد الساعة بل هو تراكم مسار بدأ منذ وقوع الحرب السورية عام 2011. هذا التراكم إستُهل مع رفض القوى المعارضة إياها إقفال الحدود أمام دفق النازحين وإتهام التيار الوطني الحر بالعنصرية، يوم قدّم التيار ورقته للحد من النزوح محذرا من المخاطر الإستراتيجية والديمغرافية لنزوح مفتوح على المجهول.
لكن هذه الحملة فاتها أمران أساسيان:
1-الإعلان القاطع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المحادثات الرئاسية مع الرئيس ميشال عون، عن إدراكه «عمق المعاناة اللبنانية في مسألة النازحين السوريين وما يتحمله» وعن عزمه على «مساعدة سوريا لتسهيل عودة النازحين» وعلى عودتها الى الجامعة العربية.
2-وهنا بيت القصيد، طلائع التغيّر الأميركي في مقاربة مسألة العودة في ضوء المحادثات التي أجراها في بيروت وزير الخارجية مايكل بومبيو، وما سمع من شرح مفصل ودقيق وصريح وعلمي عن مسألة النازحين والتهديد الوحودي التي تشكله على الصيغة اللبنانية. وليست خافية، كانعكاس لنتيجة محادثاته اللبنانية، اهمية ما قاله الرجل أمام اللجنة الفرعية للمخصصات في مجلس النواب الاميركي في موضوع تمويل المساعدات للنازحين السوريين وعودتهم، عن « في لبنان هناك 1.5 مليون لاجىء سوري مع كل العبء الذي يشكله ذلك على البلد من ناحية الكلفة والمخاطر التي يشكلها وجود اللاجئين على لبنان وديمقراطيته. وكانت وزارة الخارجية الاميركية تقود الحديث حول كيفية تحضير الظروف المناسبة على الارض داخل سوريا وكيفية تأمين الولايات المتحدة وشركائها العرب الظروف المناسبة على الارض في سوريا لكي يتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة الى بيوتهم. وهذه هي المهمة المحددة التي يرغب بها الشعب اللبناني. وانا اعتقد بصراحة ان عودة هؤلاء الافراد هي الافضل لهم. وعلينا أن نتأكد من ان الشروط مناسبة لعودتهم وهو موضوع ستكون الخارجية الاميركية في الصفوف الامامية لتحقيقه».
من الواضح أن بومبيو هو أول مسؤول في إدارة دونالد ترامب يتحدث عن عودة للنازحين من دون ربطها بالحل السياسي، ويعلن في الوقت نفسه إدراكه المضاعفات التي تترتب على لبنان من جراء إستضافة مليون ونصف مليون نازح، وان الخيار الأفضل المتوفر هو عودة النازحين بالتزامن مع تهيئة الظروف، وهي العبارة ذاتها التي وردت في البيان الرئاسي اللبناني – الروسي، الذي وُضع بالطبع بموافقة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، رأس الحرب في تحقيق هذه العودة. وتاليا على المعارضين، مهاجمي نتائج قمة موسكو، مزج نبيذهم ببعض الماء وإعادة تقويم الموقف، لئلا يتبيّن لهم مرة أخرى أن عاصمة القرار إياها عدّلت في مسارها تاركةً إياهم في موقف لا يحسدون عليه.