IMLebanon

القلق الطائفي على المصائر

بعد قمّة موسكو الثنائية بين الرئيس اللبناني ميشال عون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أي بين رئيس أصغر دولة مستقرة في الشرق الأوسط، وإحدى أكبر الدول في عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي، وبعد قمّة تونس العربية، العادية، التي تنعقد في ظروف تاريخية غير مسبوقة في العالم العربي، ويحضرها نيابة عن لبنان الرئيس المسيحي ميشال عون إلى جانب إخوانه ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية، باستثناء الجمهورية العربية السورية، التي ما تزال خارج جامعة الدول العربية، وتمرُّ في ظروف حرب، غير مسبوقة في تاريخها الحديث، وضعتها كدولة مستقلة، ونافذة، على طريق التفتت الجغرافي، بعد التفتت الديمغرافي، وإن كان نظام الحكم فيها، على مستوى الدستور، جمهورياً، رئاسياً، شعبياً، على الرغم من تعليق أو إلغاء المادة 8 من الدستور، التي تعطي الحق لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم بإدارة الدولة والمجتمع..
بعد هاتين القمتين، اللتين عاد رئيس جمهورية ما بعد الطائف في لبنان، يلعب دور الرقم واحد فيهما، ترجع حكومة «إلى العمل» إلى واجهة الاهتمام، ربما، قبل ان يعود الرئيس نبيه برّي إلى بيروت، بعد زيارة رسمية برلمانية إلى العراق، ومن ضمن أبرز انشطتها، لقاء، في النجف الأشرف (مدينة النجف تأسست على يد عضد الدولة البويهي سنة 1002م، وفيها مقام الامام علي، وهي الرابعة بين المدن المقدسة، بعد مكة والمدينة والقدس، وفيها مقر المجتهد الأكبر) مع الامام السيّد علي السيستاني، الذي يتبوأ الزعامة، التي لا تخضع لأي زعامة أخرى على الأرض، من زاوية نظرة الشيعة العقائدية الدينية، وباعتباره الممثل الحي للامام المنتظر الذي هو في الغيبة، والسلطة السياسية عند الشيعة تصدر عن السلطة الروحية (للتوسع، النفيسي، دور الشيعة في تطور، العراق السياسي الحديث، 1986).
على رأس اهتمامات أسبوع ما بعد القمم والزيارات الخارجية خطة الكهرباء، وهي الممر الإلزامي والضروري، ولكن غير الكافي، وفقاً للبنك الدولي، للعبور إلى «سيدر»، ومن «سيدر» إلى إعادة انهاض الاقتصاد الوطني، المتشظي، والواقع تحت تأثيرات خلافات الداخل، وعوائق الخارج،  وضغوطات الدول في مرحلة البحث عن المصائر والبدائل، لاستراتيجيات وخرائط رسمت في الماضي، ويجري البحث الآن، بإسقاط ولاية القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، غداة هزيمة حرب حزيران 1967، ويقضي باستعادة الأرض العربية التي احتلتها إسرائيل في سيناء، والضفة الغربية، وغزة والجولان، والقدس الشرقية، فضلاً عن مزارع شبعا اللبنانية..

في النقاش الدائر حول خطة الكهرباء، يدخل البنك الدولي، عبر نائب رئيسه لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج إلى السياسات المالمية والنقدية اللبنانية، على قاعدة تقديم إرشادات ونصائح لتخفيف العجز في الموازنة، وإقامة توازن مقبول بين الإيرادات والنفقات، عبر زيادة الإيرادات، وتخفيض النفقات، بإجراءات غير شعبية، في الوقت، الذي لم تتأثر فيه لغة الإجراءات بأية حمايات أو إجراءات عملية، على الأرض، ولا على أيّ مستوى من المستويات.
يتضح مما تقدَّم، ان عناصر الإستقرار اللبناني، محكومة بخيوط ارتباط قوية بما يحاك من ترتيبات على صعيد المنطقة، سواء في ما خصَّ العرب، أو الدول الأخرى، الأكثر نهوضاً أو اختناقاً من تركيا إلى إيران إلى إسرائيل.. لدرجة أن فتح أو إغلاق معبر نصيب، يخنق أو يفرج حركة الاستيراد والتصدير بالنسبة للسلع والمنتجات الزراعية اللبنانية.. ولدرجة أن خطة الكهرباء، باتت الممر أو المعبر، للموازنة، ولتفعيل العمل الحكومي أو عدم تفعيله، ولتخفيض العجز أو عدم تخفيضه..

في الاقتصاد، يلعب البنك الدولي، ضابط الإرتباط الدولي، من الناحية المالية، وحارس المرمى في ملعب «سيدر» للتقديمات المالية وخطط البنية التحتية لتحديث شبكات الكهرباء والمياه والهاتف والطرقات..
في السياسة، يحاول لبنان، عبر مكوناته الطائفية، البحث عن عناصر ارتباط، تخفي القلق الطائفي على المصائر، في لعبة أكبر، تطرح مصائر العرب، كجغرافيا وديمغرافيا وثروات، وموقع اقتصادي، واسواق لتصريف إنتاج وسلع الدول الكبرى المتجذرة أو الصاعدة في الإنتاج العالمي، المتحوّل من الثورة الصناعية إلى الثورة الرقمية، وعالم ما بعد ثورتي الاتصالات والمعلومات، وحقبة النيوليبرالية.

هكذا بالإمكان، فهم أن يكون وضع مسيحيي الشرق مادة على طاولة الحوار بين الرئيسين عون وبوتين، حيث، قالت المعلومات المتداولة، ان الأوّل طلب من مضيفه الروسي ان تسعى بلاده الى توفير حماية لمسيحيي الشرق، من باب محاربة الإرهاب والحفاظ على التنوع الديني والعرقي والثقافي في هذه المنطقة المضطربة من العالم..

وهكذا بالإمكان فهم ان يكون على جدول ما سيسمعه الرئيس برّي من «المجتهد الأكبر» العراقي في النجف، وضعية الدولة العراقية، من زاوية الرافعة التي تشكلها «المرجعية الشيعية» العليا في هذا البلد بالنسبة لقضايا مواجهة الإرهاب، وتقاسم السلطة، وترتيب العلاقات بين المكونات الشيعية السياسية، وبين المكونات العراقية، على مستوى تقاسم السلطة، فضلاً عن العلاقات العراقية مع إيران بعد زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، ووزير خارجيته محمّد جواد ظريف، مع الإشارة إلى ان جمهورية العراق لا تخضع لأي نوع من أنواع العقوبات الأميركية، فيما ترزح الجمهورية الإيرانية بقيادة المرشد الخامنئي تحت عقوبات، أتعبت اقتصادها، وأتعبت الحركات والأحزاب السياسية المرتبطة بها، سواء أكانت مدنية أو مسلحة».. سواء أكانت في لبنان أو العراق أو اليمن، أو حتى سوريا..

لا شيء جديدا في بلد كلبنان، تنظر فيه طوائفه إلى ارتباطها الكياني بالأرض اللبنانية، وفقاً لتقسيمات سايكس – بيكو، من زاوية ارتباطاتها خارج الأراضي اللبنانية، إمَّا بالدول الوارثة للانتداب البريطاني – الفرنسي، دولياً، وإقليمياً، بما في ذلك إنشاء دولة إسرائيل، استناداً إلى وعد بلفور (2ت2 1917).

تتطلع أنظار المسيحيين إلى الاتحاد الروسي، وفرنسا أولاً، وتتطلع أنظار السنّة إلى المملكة العربية السعودية ومصر، وتتطلع أنظار الشيعة إلى إيران والعراق، فيما يمر القلق الدرزي «بأوقات عصيبة» لجهة الخيارات: دوليا بين الولايات المتحدة أو الاتحاد الروسي أو فرنسا، إقليمياً بين العرب وإيران، ولبنانياً بين 8 و14 آذار، إذ، حسم النائب السابق وليد جنبلاط خياره أخيراً، بناء اقترابه، لا هو حلف ولا هو تفاهم، مع التيار الوطني الحر، المتحالف مع حزب الله، من دون اضعاف العلاقة بين مكونين متباعدين لـ14 آذار: حزب «القوات اللبنانية» الماروني، وتيار «المستقبل» السنَّي.
كل ذلك في ضوء الغموض، الذي يحيط بالوضع السوري، وعمَّا إذا ما كان ثمة خطة لإعادة إحياء خطة تصديع سوريا إلى دول ثلاث (خطة 1920 الفرنسية – البريطانية)، دولة سوريا، وعاصمتها دمشق، ودولة العلويين وعاصمتها اللاذقية، ودولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء (ضمّت إلى دمشق عام 1922).

يقدّم البنك الدولي، ومن ورائه صندوق النقد الدولي نفسه على أنه الملاذ الأخير للتزود بالسيولة الدولية (International lender of  last resort) من قِبل الدول التي تعاني من اختلال كبير في ميزان المدفوعات.
وبين قوة المؤسسات المالية الدولية (صناديق، بنوك، وكالات تصنيف وإئتمان) باعتبارها قوة وصاية مالية عظمى على اقتصاديات الدول المتعثرة في العالم الثالث، وحتى في أوروبا، وطموحات دول المركز في النظام الدولي بالتسابق على ترتيبات مناطق اتفاقية سايكس – بيكو المتهالكة أيضاً، وانتفاضة دول بعض الإقليم الساعية، إلى «النهوض الممنوع»، تنتظم الحياة السياسية اللبنانية بقوة طموحات الطوائف الكبرى، إلى الحفاظ على استقرار البلد، موزعة أعينها، على النطاق الجغرافي الأوسع حيناً، والديمغرافي المهدَّد كذلك وسط تخبط مُريب في الكهرباء، ومحاربة الفساد، وإقرار الموازنة؟!