كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
لم يعد ممكناً ترك مشكلة الإنبعاثات بدون معالجة حقيقية ونهائية، لا سيما وأن صدقية الدولة بكافة أركانها على المحك
تركز الحكومة بكافة مكوناتها على تسريع الخطى لإنجاز خطة الكهرباء الملحوظة بالبيان الوزاري، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء في أوّل جلسة يعقدها بالرغم من التباينات والمواقف الصاخبة والاتهامات المتبادلة بين الأطراف المعنيين على هامش طرح هذه المسألة المهمة والحيوية على بساط النقاش الجديد.
أما لماذا الاهتمام المتسارع والانكباب على معالجة هذه المشكلة المزمنة في الوقت الحاضر؟
يبدو من خلاصة النقاش الدائر حول هذه المسألة ان هناك نقطتين اساسيتين تفرضان على الجميع من دون إستثناء وضع هذا الملف المعقد والخلافي على بساط الحل، الأولى عدم إمكانية ترك هذه المشكلة على حالها تتفاقم يوماً بعد يوم واستمرار تحميل المواطنين أعباء باهضة جرّاء حصولهم على متطلبات عيشهم اليومي من الطاقة الكهربائي التي باتت تتحكم بتسيير مفاصل حياتهم وترتبط مباشرة بحركتهم اليومية، وقد بات المواطن يدفع تكلفة تفوق بكثير ما يتردد عن دفع فاتورتين جرّاء تزوده بالطاقة من مؤسسة الكهرباء العامة ومن مشغلي المولدات الخاصة إلى أكثر من ذلك عندما يتعرّض للتلوث الناجم عن تشغيل هذه المولدات المزروعة بين الاحياء وداخل المباني السكنية بكثرة وفي كل أنحاء البلد وما ينجم عنها من أمراض في الجهاز التنفسي والالتهابات تزيد من كلفة الفاتورة الصحية على المواطن والدولة على حدٍ سواء، لأنه لا يُمكن تجنّب اضرار هذه الانبعاثات الملوثة التي باتت تعيش مع النّاس وفي أماكن سكنهم وعملهم وتنقلاتهم دون إستئذان.
يضاف إلى ذلك، انه لم يعد ممكناً ترك هذه المشكلة بدون معالجة حقيقية ونهائية لا سيما وأن صدقية كافة المسؤولين بالدولة، من أعلى رأس الهرم وحتى الحكومة وفي المجلس النيابي على المحك بعد سيل الوعود والالتزامات من قبلهم لوضع حدٍ نهائي لها بأسرع وقت ممكن، لأنه لم يعد ممكناً المماطلة والتأجيل كما كان يحدث من قبل ولأن الوقت المطلوب لوضع الحلول المطلوبة قد استنفد مراراً وأصبح ترحيل هذه المشكلة يُهدّد السلطة برمتها في وقت قريب.
اما النقطة الثانية والأهم فهي استمرار استنزاف خزينة الدولة جراء المبالغ الطائلة التي تصرفها لسد عجز مؤسسة الكهرباء منذ أكثر من عقدين من الزمن دون التوصّل إلى وضع حل لهذه المشكلة المعقدة ووقف الاستنزاف المالي الذي اثر سلباً على مالية الدولة كلها وما زال مستمراً ويهدد بانهيار مالي شامل إذا بقيت الأمور على حالها وبالتالي لن يكون أحد بمأمن من هذا الانهيار الذي سيصيب الجميع.
وهناك جوانب عديدة متفرعة من هذه النقطة وارتباطها بالجهود المبذولة لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي بالبلد وحركة النهوض العامة، لأن من شروط تقديم المساعدات العربية والدولية للبنان، إن كان في مؤتمر «سيدر» أو من خلال الصناديق على اختلافها أو البنك الدولي وجوب القيام بالاجراءات الإصلاحية المطلوبة لتحقيق ذلك وفي مقدمتها معالجة مشكلة الكهرباء ووضع حدٍ نهائي للاستنزاف المالي الذي يزيد من عجز الموازنة إلى نسب عالية تؤثر سلباً على الوضعين المالي والاقتصادي في البلد وتؤشر إلى تداعيات سلبية محتملة إذا تركت الأمور على حالها.
ولذلك، فإن الانكباب على معالجة مشكلة الكهرباء في الوقت الحاضر بعد طول انتظار وتلكؤ، تارة تحت مظلة الخلافات القائمة حول السبل المطلوبة للحل، إن كان من خلال الاستمرار بإستئجار بواخر الكهرباء لمرحلة التنفيذ أو الخلافات حول مواصفات معامل الكهرباء، المنوي بناؤها وغير ذلك، من نظريات الحلول المطروحة وهي التي حرمت اللبنانيين من التزود بالتيار الكهربائي من مصدر واحد طوال هذه المدة، مرد هذا الاستعجال حالياً هو ارتباط كل الأمور ببعضها واستحالة معالجة الشأن المالي والاقتصادي بمعزل عن حل أزمة الكهرباء المزمنة واستحالة استمرارية الوضع السلطوي على هذا النحو لأن البلد كلّه لم يعد يستطيع تحمل أكثر مما تحمّل طوال العقدين الماضيين وحتى أكثر من ذلك ولذلك، فإن الإسراع في إنجاز وضع خطة لمعالجة مشكلة الكهرباء أصبح في صدارة المواضيع التي ستطرح على جدول اجتماعات الحكومة في الأيام القليلة المقبلة، لأنه بات من الصعب الانتقال لمناقشة وإقرار باقي المواضيع المهمة لتحقيق ما ورد في بيان الحكومة الوزاري ولا سيما دراسة مشروع الموازنة العامة وتحديد نسب العجز المتدنية المطلوب الوصول إليها قياساً على الموازنة السابقة من دون إقرار خطة الكهرباء التي باتت مطلباً لجميع الأطراف على اختلافهم في ضوء الأخذ بعين الاعتبار العديد من الملاحظات ووجهات النظر الموضوعية التي ادخلت لتحسين مكوناتها وإزالة بعض الاعتراضات والتباينات التي طرحت عليها سابقاً.
ولا شك ان مسار النقاش الإيجابي في وضع خطة الكهرباء وتأكيد جميع الأطراف السياسيين المشاركين في مناقشتها بفحوى الإيجابية التي تخللت طرحها، يؤشر بوضوح إلى سريان حال من التوافق السياسي بخصوص إنجازها ووضعها موضع التنفيذ الفعلي بعد اقرارها بمجلس الوزراء في وقت لاحق، وهو ما يؤمل ان ينسحب على مناقشة باقي المشاكل والمواضيع المطروحة على طاولة مجلس الوزراء، في حين ان الأهم في كل ذلك تحسس الجميع انه لم يعد ممكناً مقاربة المسائل والمشاكل القائمة بأساليب التشكيك المتواصل وإذكاء نار الخلافات السياسية بخصوصها، لأن الاستمرار بهذا الاسلوب السلبي المعتمد سابقاً يؤدي إلى تأخير وضع الحلول المطلوبة للمعالجة ويُبقي البلد في حال من التشنج والاشتباك السياسي من دون طائل، وبالتالي فإن من يدفع الثمن بالنهاية هو المواطن دون غيره.