كتبت ملاك عقيل في “الجمهورية”:
لا جدل في كون «حزب الله» أحد الأفرقاء الاساسيين المحذّرين من «كارثة» سير القطار اللبناني بسرعة نحو الهاوية. واقعية الحزب تدفعه الى الاعتراف بأنّ «جهدنا الأساس يكمن في التخفيف من حدّة الاصطدام»! بعد الإعلان «الشرعي» عن خوض «حزب الله» معركة الفساد وكشف «الرؤوس الكبيرة» ثمة تسليم من جانبه بأنّ «العراقيل كبيرة»، لكن الجهد الاستثنائي الذي يُبذل على المستوى الحزبي والنيابي والتشريعي أدّى الى «تسجيل تقدّم ملموس».
في 21 آذار من العام الماضي أطلق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ما يشبه البيان الرقم واحد: «نحن في مرحلة خطرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصار لزاماً على الجميع أن يتعاطوا مع قضية مكافحة الفساد في كل مؤسسات الدولة في اعتبارها أحد أهم أسباب دفع البلد إلى الكارثة».
كل ما حدث بعد هذه المحطة، ومنها تكليف النائب حسن فضل الله مسؤولية إدارة الملف، و«تفجيره» قنابل إصلاحية وتحذيرية من داخل مجلس النواب، والمواكبة «التشريعية» لورشة «التنظيف»، والاستنفار على مستوى العمل الحزبي الداخلي في إعداد «ملفات الفساد»… كل ذلك أوحى أنّ الحزب لا يمزح أو يناور.
لا أحد من قيادات «حزب الله» اليوم مكلّف الحديث عن ورشة، يؤكّد قريبون من الحزب أنها «ليست جديدة عليه». «الشغل ماشي» بصمت وعلى أكثر من جبهة ومستوى، مع إعتراف غير مسبوق «بأنّ الفساد في السنوات الماضية تجاوز بأشواط فساد عهود ما بعد اتفاق الطائف».
وبالتأكيد، لا مكان لـ«عروض القوة» أو الترويج لإنجازات على غرار بعض القوى السياسية. حتى في الاصطدام، غير المرغوب مع الرئيس فؤاد السنيورة في مسألة الـ 11 مليار دولار، صوّب «حزب الله» البوصلة: «لا مشكلة مع الأشخاص ولا انتماءاتهم السياسية».
«ملفات» الحلفاء!
وفيما يُواجه «حزب الله» اليوم بتهمة «عجزه» عن فتح ملفات قد تصيب حلفاءه، فالكلام السائد في أروقة الحزب، وفق مطلعين، لا يحتمل الاجتهاد «رايحين للآخر. وبالنسبة الى حلفائنا كل من يريد أن يتقدّم بملفات حولهم فليتفضّل، إلا إذا كان البعض يسعى لأن نفتش عن ملفات تضرب علاقتنا مع حركة «أمل» «لنعمل مشكل شيعي».
وبالتأكيد، نحن غير معنيين بالأشخاص. هناك ملفات، أما نحن نبادر الى فتحها وإما نتلقاها. والمستندات نذهب بها الى القضاء، وهناك نحن غير مسؤولين عمّن يطاوله القضاء لأنّ لا غطاء لأحد».
القرار الأساس على المستوى الداخلي للحزب كان «الملفات الكبيرة» قبل الصغيرة. الحسابات المالية للدولة، وانتظامها، وتصحيح القيود كانت أول وأهمّ هذه الملفات.
وهنا لا يجد الحزب حرجاً في الاشارة الى أنّ «التحقيق» في هذه الحسابات يشمل عهوداً، من الياس الهراوي الى اميل لحود وميشال سليمان وصولاً الى ميشال عون. وحكومات، من سليم الحص الى فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري. جاء هذا القرار أيضاً بناءً على نقاشات الحزب سابقاً في «لجنة المال» والتي كشفت وجود فضائح وكوارث فيها.
ومن باب «المساهمة» في الإنجاز، وليس ادعاء تحقيقه، يقرّ «حزب الله» بالضغط الذي مارسه لإنجاز ملف الحسابات المالية الذي واكبته لجنة المال منذ العام 2010 وانتهت وزارة المال من توثيق أرقامه وحساباته العام الماضي.
لا أحد يشكّك في أنّ الملف جُمّد لسنوات بعد «إجتياح» «الابراء المستحيل» للمكتبات والأسواق ومكاتب المسؤولين الكبار. «مطالعات» فضل الله المتتالية في شأن الحسابات المالية وملف الـ11 ملياراً شكّلت جزءاً يسيراً من الملف، الذي تختزن وزارة المال في صناديقها المكدّسة «أسراره» الكبيرة، لكنه كان كافياً لتحريكه أمام الرأي العام.
والضغط الأساس الذي مارسه الحزب كان بنقل هذه الحسابات من وزارة المال الى ديوان المحاسبة. والمطلوب اليوم، وفق أولويات الحزب، أن ينجز ديوان المحاسبة هذه الحسابات ويُصادق عليها»، مع هواجس تُسمع في الكواليس المغلقة «من تنييم الملف مجدداً»!
ديوان المحاسبة تحت المجهر
هذه النقطة تحديداً ستكون مدار بحث بين النائب فضل الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري بعد عودته من العراق، خصوصاً أنّ ديوان المحاسبة أثناء إعداد الحسابات كان يواكب، عبر أحد قضاته، عمل فرق وزارة المال لتكوين الحسابات، وبالتالي فإن المهلة القصوى التي يحتاجها «الديوان» للمصادقة عليها لا تتجاوز الاسبوعين، فيما لا تزال الملفات مكدّسة لديه منذ شهر.
رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان، المحسوب على بري، لا يشكّل تموضعه السياسي أي «عقدة» للحزب، حيث هناك إصرار على «مطالبته بالتعجيل في المصادقة على الحسابات، ومن يريد أن «ينيّم» الملف عليه أن يتحمّل المسؤولية»، وفق قريبين من الحزب.
وهنا يكمن الربط مع «معضلة» التأخير في إقرار الموازنة، فيما يبدو «حزب الله» واعياً جداً لهذه الثغرة. ويقول متابعون: «قطوعات الحساب من الـ 1997 الى 2017 يجب أن تُقرّ.
والتمييع الحاصل قد يؤدي الى إعلان نفاد الوقت مع المهلة المحددة لانجاز الموازنة. وبالتالي فإنّ عدم إنجاز ديوان المحاسبة الحسابات ضمن الوقت المطلوب سيؤدي الى تقديم قطع حساب عن عام 2017 فقط. وهنا تكمن أهمية مصادقة ديوان المحاسبة للحسابات والتي ستتحوّل وثيقة لها قيمتها القانونية والالزامية، و«منصة» للمحاسبة».
ويضيف هؤلاء، «هذه الخطوة ضرورية اليوم، ومن ثم يحوّل مجلس الوزراء هذه الحسابات الى مجلس النواب. فالدور الرقابي الحقيقي للمجلس النيابي ليس إقرار الموازنة، إنما قطع الحساب، وعلى ديوان المحاسبة ان يتحمل مسوؤليته في هذا المجال».
ثاني الملفات التي أخذها «حزب الله» على عاتقه قرض البنك الدولي بقيمة 400 مليون دولار. فالضغط الذي مُورس في هذا الاتجاه دفع ممثلي البنك الى إعلان عدم الممانعة في تعديل بعض البنود.
إشارة قادت أصلاً الى «تجميد» النقاش فيه. لا يرى الحزب في ذلك سوى انتصار جزئي في معركة الاصلاح، خصوصاً أنّ هذه القروض بمعظمها كانت ستذهب الى المستشارين والمجلس الاعلى للخصخصة وهبات… من دون أي دراسة منفعة تسبق إستدانة الدولة التي سترفع حجم الدين العام أكثر.
وثالث الملفات، قضية التوظيف المطروحة اليوم على طاولة لجنة المال والموازنة، وقد تمّ التداول في جلسة الاثنين الماضي برقم الـ 5 آلاف عسكري بين قوى أمن (2000 لم تصدر نتائجهما بعد) والجيش (3 آلاف التحقوا بمراكزهم)، والذين يُضافون الى «جيوش» الموظفين الذين تمّ توظيفهم بقرار في مجلس الوزراء خلافاً للقانون الصادر عام 2017.
ويكتفي «حزب الله» بمتابعة ملف التوظيف العشوائي من داخل لجنة المال ومواكبته عبر نقاشات يأمل في أن تؤدي الى تدارك مصيبة من صنع «السلطة السياسية».
53 قانوناً بلا تطبيق
أما لناحية الشق التشريعي، فقد سبق أن تقدّم النائب فضل الله باقتراح قانون الحدّ من الانفاق، إضافة الى العمل المركّز لـ«حزب الله» على مجموعة قوانين لها علاقة بمجلس الخدمة المدنية والحدّ من الهدر وإجراء المناقصات ورفع السرّية المصرفية، والقوانين غير المطبّقة، وقد بلغ عددها حتى الآن، وفق مصادر نيابية، 53 قانوناً.
أما على طاولة مجلس الوزراء فالمعركة ليس فقط عصر النفقات بل خفض إحتياط في الموازنة، مع العلم أنّ هذا التوجّه أتى ضمن توصيات الحزب في لجنة المال النيابية عام 2017.
ولا يبدو «حزب الله» في وارد سرد العراقيل التي تواجهه حتى الآن. في كواليسه تأكيدات «بوجود عقبات، وفاسدين لهم محميات، لكن الأهمّ شعور هؤلاء بالقلق من أنّهم أصبحوا «تحت الرقابة والرصد».
في جلسة مناقشة البيان الوزاري، وفيما كان صوت أحد النواب الـ 54 الذين تناوبوا على الكلام «يُلعلع» بالتنظير ضد الفساد، لم يتردّد نائب ينتمي الى الكتلة النيابية نفسها لمن يتحدث على المنبر في القول: «هذا النائب مكانه السجن»!
يُشعِر هذا الواقع «حزب الله» وكأنه في أسفل سلّم مكافحي الفساد بوجود «مُدّعي العفة». مع ذلك، هو يتجنّب توجيه الاتهامات والإدانات لأي طرف أو إجراء أي تصنيف، لأن القضاء هو الحكم. أسلوب مقاربة إقرار القوانين وفتح الملفات ومتابعتها قضائياً ورفع الغطاء عن المرتكبين سيتكفّل، وفق رؤية الحزب، في فصل الخيط الأبيض عن الأسود، والفاسد عن غير الفاسد.