شهدت جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أمس، مراجعة شاملة لمسار أزمة النازحين السوريين في لبنان. أخطر ما جاء في الجلسة هو اعتراف الوزير السابق للشؤون الاجتماعية، بيار بو عاصي، بتوقّف وزارته عن تسجيل أعداد النازحين السوريين!
بدت جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أمس، أشبه بجلسة محاكمة للسياسات التي انتهجتها قوى 14 آذار سابقاً، والتي لا تزال تصرّ عليها حاليّاً تجاه ملفّ النازحين السوريين، بعد مطالعة طويلة لوزير الخارجية جبران باسيل، انتقد فيها مواقف تلك القوى، لا سيّما تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. لم تكن جلسة محاكمة فحسب، بل أيضاً جلسة اعتراف من ممثّلي تلك القوى، حول أمور «اقترفت» بحقّ لبنان وسوريا في المرحلة الماضية، عبر ملفّ النازحين، لا سيّما مع «اعترافات» وزير الشؤون الاجتماعية السابق بيار بو عاصي ووزير الداخلية نهاد المشنوق. وبدا لافتاً، أمس، أن باسيل لم يكن وحيداً في موقفه، بل بدا التوافق كاملاً بينه وبين ممثلي حركة أمل في الجلسة النائبين ياسين جابر وعلي بزّي، فيما كان النائب طوني فرنجية مهتماً بتفاصيل الأرقام والمعلومات التي تليت في مداخلات النوّاب، ومنسجماً أيضاً مع موقف أمل والتيار الوطني الحر.
وبحسب مصادر نيابية مشاركة في الجلسة، فقد وجّه باسيل اتهامات صريحة لممثلي 14 آذار في الحكومات الماضية وقدم وقائع عن تقاعس هؤلاء ودورهم في تفاقم الأزمة. إلّا أن النقاش الحاد بين النواب انتهى إلى نتيجة «مقبولة» بضرورة الوصول إلى خطة حكومية واضحة لحلّ الأزمة وتسريع العودة.
النائب نهاد المشنوق، مثلاً، ردّ على كلام باسيل، الذي وصفه لاحقاً بـ«الغريم السياسي»، موجّهاً سؤالاً «عن المرجع الذي يحدد طبيعة العودة الآمنة»، مضيفاً أن «الحكومة السورية، بالنسبة إلينا، ليست مؤتمنة على النازحين». ومع أنه وافق على تشكيل لجنة روسية لبنانية سابقاً، سأل أمس إن كانت روسيا ستعطي ضمانات للعودة. أمّا النائب فؤاد مخزومي، فسأل عن تداعيات الأزمة على لبنان، وكان أقرب إلى موقف باسيل، مؤكّداً أن مؤسسته بالتعاون مع مؤسسات بريطانية اقترحت على حكومة الرئيس تمام سلام تقديم مساعدات للنازحين العائدين إلى سوريا بهدف تشجعيهم على العودة، إلّا أن حكومة سلام لم توافق.
أمّا بو عاصي، الذي اعتبر أن الاهتمام الروسي بملفّ النازحين سببه اهتمام موسكو بإعادة الإعمار في سوريا، فشكك بوجود أثر فعلي للمبادرة الروسية. غير أنه كشف أمام زملائه تعمّد وزارة شؤون النازحين التوقّف عن إجراء المسح الشامل للنازحين السوريين، متذّرعاً بغياب القدرة الفنيّة، ومستعملاً عبارة «عجزنا عن إجراء المسح»، علماً بأن سلفه الوزير السابق رشيد درباس كان قد وافق على إجراء المسح في حكومة سلام. الأمر الآخر الذي اعترف به بو عاصي، هو أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين «UNHCR»، لم تسلمه قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين المسجلين لديها!
وهنا اعترف المشنوق أيضاً بأن التسجيل أوقف لمدّة سنتين، قبل أن يعود ويوافق على غالبية ما جاء في مداخلة باسيل، مؤكّداً أن مسألة التسجيل لم تعد مهملة وجرى العمل عليها خلال تولّيه وزارة الداخلية.
وسأل باسيل هنا: كيف يمكن أن نعرف إذاً مصير الولادات التي لم تسجل، وكيف سنواجهها في المستقبل؟
النائب بزي، بدوره، وافق باسيل على رأيه في المطالعة، فيما بدا فرنجية مهتماً بالتفاصيل حول كلفة النازحين على قطاع الكهرباء، التي قدرت بـ330 مليون دولار.
وتحدث باسيل بعدها عن الورقة السياسية التي قدمها إلى حكومة السلام وتمّ إجهاضها، مؤكّداً أنه سيعود إلى تقديمها مجدداً بعد أن يطلع الرئيس سعد الحريري عليها. وتابع أن القوى السياسية مختلفة حول مفهوم العودة، لكن برأيه هناك ثلاثة مستويات يجب أن تكون العودة على أساسها: «إعادة كل من يخالف القوانين اللبنانية، وهذه العودة يجب أن تكون تلقائية». المستوى الثاني هو «العمل على تحفيز النازحين على العودة عبر الضغط على المؤسسات الدولية لضخ الأموال داخل سوريا من قبل الأمم المتحدة والمفوضية والمنظمات الدولية الأخرى». أما المستوى الثالث، فهو «العمل بالتواصل مع سوريا مباشرة من دون وسيط، ويجب عدم تحميل الملف أكثر من حجمه».
وشكّك بو عاصي، عطفاً على كلام باسيل، بوجود «مؤامرة دولية لإبقاء النازحين السوريين في لبنان». إلّا أن وزير الخارجية ردّ عليه مؤكّداً «وجود مؤامرة دولية من نوعٍ ما، وتلك لها مؤشراتها، عبر إغراء النازحين للبقاء في لبنان وتخويفهم من العودة»، مؤكّداً أنه لهذا السبب «جمدنا طلبات الإقامة لمفوضية اللاجئين».
ورفع باسيل سقف الموقف معتبراً أنه لم يعد مقبولاً تسمية ما يحصل بملفّ النازحين، إنما يجب القول ملف عودة النازحين إلى سوريا، محذّراً من أنه إن لم تقم الحكومة بواجباتها وتقاعست فإن وجود التيار الوطني الحرّ فيها على المحكّ!
أما جابر، فأكّد خطورة الأرقام التقديرية للنازحين والولادات من غير المسجلين، لافتاً، على سبيل المثال، إلى أن هناك أكثر من 400 تلميذ في مدرسة واحدة في النبطية، لا يعرفون إذا كانوا سوريين أو لبنانيين، ولهجتهم لبنانية، سائلاً: كيف يمكن مع مرور الوقت، وبعد أن يتجذر هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في لبنان أن يقال لهم إنهم سوريون، وهم محرومون من الحصول على حقهم بالبطاقات السورية؟
وطالب جابر بدعوة السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي إلى لجنة الشؤون الخارجية للاستماع منه الى رؤية الحكومة السورية لملفّ النازحين والعودة، وسفراء الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي (تمت دعوة سفيرة الاتحاد الأوروبي لتحضر أمام اللجنة مطلع أيار المقبل). وهنا لم يبد أي من النواب اعتراضهم على دعوة علي، إلّا أن جابر طلب من النواب قبل إعطاء الموافقة على هذه الدعوة، الحصول على موافقات من مرجعياتهم تفادياً لتراجعهم عن موقفهم لاحقاً.
وزاد بو عاصي أنه «زار مخيمات النازحين في البقاع، وسمعت أن المسنين يرفضون العودة إلى سوريا، فما بالكم بالشباب والصغار». وهنا ردّ باسيل بالقول إن هذا الأمر حصل بسبب عدم القيام بالإجراءات المطلوبة، وأعطى مثلاً عن مستشفى البوار الحكومي، حيث سجلت في عام 2018 نحو 633 ولادة سورية مقابل 24 ولادة لبنانية!
طالب جابر بدعوة السفير السوري في لبنان للاجتماع مع اللجنة وشرح وجهة نظر سوريا
وعاد بو عاصي وردّ بأن أحداً «لا يريد الخلاف على جنس الملائكة، وإن كانت العودة طوعية أو آمنة، نحن متفقون بأنهم يجب أن يعودوا البارحة قبل اليوم، ويجب أن نبلور الإطار، أي الورقة السياسية، على أن تطرح ورقة سياسية موحدة من قبل الحكومة». وأضاف أنه «إذا كنّا معتقدين بأن العودة ميكانيكية، فنحن مخطئون، هناك معاناة المهجر من الجبل الذي لم يعد بعد، وأنا من العبادية وأعرف معنى التهجير»، مكرّراً أنه «ليس هناك مؤامرة دولية ولكن يجب أن نتفق على عودتهم».
وتدّخل النائب أنور الخليل ليضيف بأنه ليس هناك سياسة موحدة حيال النازحين، لكنّه أكّد أنه «لا يجوز أن نغفل ضرورة التعاطي مع سوريا، وهي الدولة المعنية الأولى بهذا الملفّ».
وردّ باسيل بأن «المهم أن لا نسيّس موضوع النازحين والعلاقة مع سوريا»، مؤكّداً أنه «كلما زادت الأعداد ومر الوقت وطال أمد النزوح، كلما تكرس بقاء قسم من النازحين». وأضاف أنه «يتعمد تظهير الخلاف وإظهار الورقة، لأنني أريد البحث عن حل، نحن تساهلنا مع الجميع ولم نتحدث يوماً عن عودة قسرية، ولا أحد يحترم التزاماته كما نفعل نحن، في الدول الأوروبية شاهدنا كيف يتمّ التعرض لبعض النازحين بالضرب والإهانات، ومن لا يشعر بالأمن لا نجبره على العودة، لكن ما هي الذريعة لمن يدخل إلى سوريا ثم يعود إلى لبنان؟»، محمّلاً المسؤولية لوزراء في الدولة لعدم تزويد المديرية العامة للأمن العام بالمعلومات عن الذين يحملون صفة لاجئ.
وحول موضوع المبادرة الروسية، قال إن المسؤولية على لبنان قبل روسيا، فـ«روسيا طرحت مبادرة وليس خطة، ومن اليوم الأول أعطت المبادرة مفعولا إيجابيا في وجه كل الاطراف الغربية التي تريد ترك النازحين ورقة في يدها، التحدي هو مساعدة النازح على العودة وليس البقاء». وقال إن المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أكّد له خلال لقائها الأخير، أن الوضع آمن في كثير من المناطق في سوريا، وهنا يبدو أن «ما كانت تقوم به المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من تشجيع على عدم العودة، هو أمر مشبوه».
وعلّق النائب جورج عقيص على كلام باسيل متجاوباً مع طروحاته، بالقول إن «باسيل يبتدع الحلول»، مقترحاً أن يتم تصنيف النازحين في خانات النزوح الاقتصادي أو الأمني والتصنيفات الأخرى لتسهيل العودة.