الأسفُ الذي كان أعرب عنه الأمين العام السابق للامم المتحدة بان كي مون “لكون لبنان أرضا شبه سائبة، لا حدود بحرية او برية واضحة ونهائية لها”، يتّخذ أبعادا مضاعفة اليوم.
فثمة استحقاقات واعتبارات كثيرة متسارعة داخليا، تُظهر أكثر، يوما بعد يوم، مدى حاجة لبنان الملحّة، الى وجود حدود مرسّمة لكيانه، محدّدة المعالم في صورة حاسمة لا غبار عليها، سواء شرقا أوغربا، شمالا أو جنوبا.
فبحرا، يسير لبنان قدما في طريقه الى استخراج الغاز والنفط. وقد أطلق مجلس الوزراء الخميس، دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط في البلوكات 1، 2، 5، 8 و10، وأضيف البلوك رقم 2 لتكون الحكومة أعادت فتح ثلاثة بلوكات سبق أن فُتحت في الدورة السابقة، مع إضافة البلوك رقم 5 بمحاذاة البلوك الحدودي رقم 8، ومع إضافة البلوك رقم 2 على الحدود البحرية مع سوريا. وبذلك، يكون لبنان عرض كل بلوكاته الحدودية الشمالية والجنوبية إضافة إلى البلوك رقم 9 الذي لُزّم في الدورة الأولى. الا ان النزاع الحدودي بين لبنان والكيان العبري من جهة، وغياب ترسيم الحدود بوضوح، بين بيروت ودمشق ايضا، من شأنهما إبعاد الشركات الراغبة في المشاركة في عمليات التنقيب، وإخافتها، وفق ما تقول مصادر مطّلعة لـ”المركزية”.
من هنا، تبرز ضرورة لتحرك سياسي- دبلوماسي رسمي لبناني سريع، تجاه الغرب ودمشق في آن، لإزالة اي التباسات تُضعف موقف بيروت امام المستثمرين وتفوّت عليها قطار التنقيب او تُدخلها اليه متأخرّة.
اما جنوبا، وعلى وقع إهداء الرئيس الاميركي دونالد ترامب الجولان السوري الى تل ابيب، الامر الذي فاقم القلق اللبناني من فقدانه سيادته على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لا بد للدولة اللبنانية، وفق المصادر، من مطالبة دمشق بالمستندات التي تثبت لبنانية هذه الاراضي.
فهي في المنظار الدولي سورية، ولذلك لم تنسحب منها القوات الاسرائيلية عام 2000، فهل تقدّم الشام للبنان هذه الوثائق وتسدي له هذه الخدمة كبادرة حسن نية؟ والحال ان ملفّ المزارع يضاف الى النزاع الحدودي المستمر بين بيروت وتل ابيب على 13 نقطة برية حدودية، يفترض ايضا ان يُحَلّ بالتفاوض بين الجانبين، أكان عبر الاميركيين او من خلال الامم المتحدة، مخافة ان تقضم اسرائيل أجزاء اضافية من الاراضي اللبنانية.
شرقا، بات الجيش اللبناني ممسكا بمعظم التخوم اللبنانية – السورية وقد بسط عليها سيطرته والابراج المخصصة للمراقبة التي مُوّلت من الخارج (من بريطانيا في شكل خاص)، بعيد طرد الارهابيين من الجرود. الا انه، وفي ظل بحث السلطة، بـ”الفتيلة والسراج”، عن مداخيل اضافية لسد العجز في موازنتها، من الملحّ أن توجّه نظرها الى هذه الحدود التي تخرقها معابر سائبة كثيرة بسبب تداخل القرى اللبنانية بالسورية، والتي تُستعمل في أعمال تهريب لبضائع ومنتوجات تعد ولا تحصى (أهمّها البنزين والدخان) فتنافس المنتوجات اللبنانية التي تفقد قيمتها وسعرها، كما تُفوّت على الخزينة إمكانية الاستفادة من الجمارك والضرائب المفروضة عليها.
وبحسب المصادر، يخسر لبنان مبالغ طائلة جراء تهرّب البعض من الرسوم الجمركية، باستخدام مرفأ اللاذقية لشحن البضائع، ونقلها منه الى لبنان عبر الحدود الشرقية، بعدما تبين أيضا ان هناك مستودعات في بلدات سورية، يستخدمها لبنانيون ينقلون البضائع منها الى لبنان. فهل تتوسع حملة الاصلاح ومكافحة الفساد، نحو هذه النقاط؟
فتحُ ملف ترسيم حدود لبنان على مصراعيه، اذا، يجب ان يضعه العهد في رأس أولوياته، خاصة ان نجاحه في رفع هذا التحدي الذي فشلت الدولة في إنهائه على مدى عقود، سيعدّ إنجازا موصوفا له، فهل يفعل؟