Site icon IMLebanon

هل تصمد العلاقات العاطفية مع حبيبٍ بعيد جغرافياً؟

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

صحيح أنه ليس لنجاح العلاقات العاطفية قاعدة، فمن الأزواج مَن يعيشون معاً، تحت سقف واحد، بظروف مناسبة على جميع الأصعدة، إلّا أنّ التواصل بينهم غير ناجح، فتراهم غير سعداء، بعيدين عن الإرتباط الفعلي ببعضهم البعض.

فقد حرص سليم على الزواج بفتاة من مجتمعه القريب، كي يتفادى احتمال تأثير الفروقات الإجتماعية سلباً عليهما وفشل الزواج. هي فتاة طيّبة ومثقفة، وتربت على المبادئ والقيَم، وهو رجل ناضج وغير متطلب، ومتمكّن مادياً؛ إلّا أنهما يشعران بفراغ عاطفي لا يستطيعان تخطيه، فيبحثان دوماً عن رفيق ثالث يسليهما ويُدخل الحياة إلى منزلهما. في هذا السياق نلاحظ في كثير من الأحيان دخول الزوجين أو أحدهما في علاقات جانبية، دون أسباب ملموسة وواضحة.

وعلى مستوى الشغف والشوق في العلاقات العاطفية، نواجه حالات أزواج تفرغ علاقاتهم من الشغف والشوق بسرعة البرق، على رغم من إمضائهم معاً أوقاتاً جميلة، وقيامهم بالنشاطات وتبادل الهدايا، في حين أنّ ناجي وربى مرّا بصعوبات كثيرة ومدمرة في حياتهما معاً، إذ أصيب الزوج بفيروس جعله طريح الفراش لسنتين، وكانت الزوجة مضطرة للعمل لتغطية كلفة الدواء، ورغم ذلك صمد حبهما منذ ثلاثين عاماً.

ولا يستهان بالدور الذي تلعبه البيئة التي ينشأ فيها كلا الزوجين على مستقبل علاقتهما معاً، فبالزواج إجمالاً يحمل كل منهما تجارب والديه والمقربين في العائلة، من هنا نرى تكرار حالات الطلاق والخيانة وحتى الحب في عائلات ومجتمعات معينة.

من أهم الأساسات التي يقوم عليها الزواج، الحب والمحافظة على الشغف، الإنجذاب الجنسي وإتخاذ القرار بالإستمرار بالعيش مع المحبوب تحت سقف واحد، ولكن!! كيف نفسر دينامية العلاقات التي يعيش فيها الزوجان كل في بلد أو منطقة؟ أي هناك مسافة جغرافية تفصل بينهما. هل تبقى عواطفهما على حالها؟ هل من الصحي أن يمضي الزوجان فترة من حياتهما بعيدين جغرافياً؟ ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك؟ هل يؤثر البعد على نوعية العلاقة؟ هل يؤدي الإنفصال الجغرافي إلى إنفصال عاطفي؟ ما هي التحديات التي يواجهها الذين يضطرون للبعد الجغرافي قسراً؟ وكيف يستطيعون مواجهتها؟

رغم أنّ الحب مرتبط بالمشاعر والإنفعالات، بالصور والتخيلات، إلّا أننا لا نستطيع إهمال دور الجوانب العملية والموضوعية بالأمر، أي الملامسة والمداعبة والقبل والعناق وصولاً إلى العلاقة الجنسية؛ أما موضوع لغة الجسد فله أهميته المستترة، من الإقتراب الجسدي إلى الإيحاءات، ابتسامة من هنا ولعب من هناك. وهذا الإحتكاك الجسدي يجعل العيش المشترك بين الأحباب مشوّقاً وممتعاً، مفعماً بالطاقة والإيجابية، ويساعد على التخلص من الضغوطات النفسية والتوتر والقلق. لكن كيف يكون حال الحبيبين اللذين يعيش كل منهما في منطقة جغرافية مختلفة؟

بوجود وسائل التواصل الإجتماعي، وخصوصاً المرئيّة منها، أصبح من الأسهل إحياء العلاقات العاطفية على الرغم من البعد الجغرافي؛ فقد ولّت أزمنة الرسائل وساعي البريد، والإنتظار على الهواتف ودفع فواتيرها الباهظة. إلّا أنّ وسائل التواصل الإجتماعي، وحتى المرئيّة منها، كالصور والفيديو، لا زالت غير قادرة على إشباع حاجات المتحابَين العاطفية والنفسية والجسدية. فيشكل البعد ثقلاً يصعب تحمله على الطرفين.

إلا أننا نضطر أحياناً إلى عيش علاقة عاطفية مع حبيب بعيد عنا جغرافياً، إن لأسباب عائلية، إقتصادية وإجتماعية؛ فقد ابتعد روني عن زوجته التي ارتبط بها منذ ثمانية أشهر، بهدف نيل الجنسية، فأصبحا يعيشان كل في قارة. وهو منذ وصوله إلى مسكنه الجديد، تعرّف الى قريبته، والتي على ما يبدو اهتمت به وساعدته، ما جعله معجباً بها، حتى أنه بات ينسى أحيانا التواصل مع زوجته «المنتظرة». وأترك لكم تصور باقي القصة بين روني وزوجته وقريبته.

ماذا حلّ بعواطف روني؟ هل لا زال على حاله؟ هل تأثر حبه لزوجته بالتجربة التي يخوضها مع امرأة أخرى؟ ماذا عن التجارب التي قد تتعرض لها الزوجة أيضاً؟

يتغير الإنسان بحسب الظروف والتجارب التي يمر بها، والإغراءات التي يواجهها، والتي تكثر في ظلّ غياب الشريك العاطفي، في حال عدم الإشباع للحاجات النفسية والعاطفية والجسدية؛ فالواتساب لا يروي جوعاً ولا عطشاً.

أخطار كثيرة تتهدّد العلاقة بين المتحابَين عندما يعيشان معاً، فكيف بالعلاقات التي تفصلها مسافات وقرى وبلدان وقارات؟