Site icon IMLebanon

المجتمع الدولي للبنان: “أنا في انتظارك ملّيت”!

منذ تمكنه من إحداث مفاجأة دخوله إلى قصر الاليزيه، لم يترك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان “يغرق في أزماته المتناسلة. ولم يتوان عن التدخل شخصيا لإنهاء الأزمة الكبيرة والخطيرة التي أحدثتها استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2017. على أن المساهمة الفرنسية الأهم في نهوض لبنان تكمن من دون أدنى شك في الضغط الذي مارسه على حلفاء بلاده وأصدقائها لمد لبنان بالمساعدات المالية، في إطار ما عرف بمؤتمر سيدر الذي عقد، قبل عام من اليوم، في 6 نيسان 2018 في باريس في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس ماكرون وعدد من أركان الحكم والحكومة.

غير أن المجتمع الدولي، على اهتمامه الكبير وسعيه إلى مد وطن الأرز بمقومات الصمود، لم يتوان عن ربط رزمة المساعدات بإصلاحات بنوية وجدية من المفترض أن يشهدها الاقتصاد الوطني… تحت طائلة نقل المساعدات إلى دول أخرى قادرة على السير على هذه السكة.

على أن المؤتمر لم يتأخر في تلقي سهام سياسية كثيرة، حتى قبل انعقاده، لا سيما لجهة توقيته، حيث أنه أتى قبل شهر واحد من موعد الانتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار. ذلك أن القوى المناوئة للنهج السياسي السائد في البلد، وعلى رأسها حزب الكتائب، رفعت صوت الاحتجاج ضد هذه الخطوة، معتبرة أن السلطة السياسية ستستفيد منه لشد العصب الشعبي ذي الطابع الانتخابي.

وفي المقلب الآخر حذر معارضو المؤتمر من تبعاته المالية على لبنان، باعتبارالقروض التي سينالها لبنان من أصدقائه الدوليين سترتب مزيدا من الديون على البلاد الغارقة أصلا في عجز مالي بلغ خطوطا حمرا خطيرة. ولم ينجح لبنان في إقرار موازنة العام 2018 إلا تحت الضغط الدولي، الذي مورس على السلطتين التشريعية والتنفيذية لوضعها قبل انعقاد المؤتمر، فأقرت من دون قطع حساب في إطار تسوية سياسية نصت على أن يوضع قطع الحساب في مهلة سنة (وهو ما لم ينفذ بطبيعة  الحال). مخالفة دستورية دفعت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل إلى تقديم طعن بالموازنة أمام المجلس الدستوري. إلا أن الأخير لم يبطلها بالكامل، بل اكتفى بإبطال 7 مواد منها بينها المادة 49 التي تعطي الأجنبي الذي يتملك وحدة سكنية في لبنان حق الاقامة الدائمة، ما أثار مخاوف من “توطين مقنّع” للاجئين الفلسطينيين والسوريين.

على أي حال، أمهل المجتمع الدولي لبنان شهرا كاملا للخروج من بازار الانتخابات النيابية وليتمكن من إكمال مشهد سلطاته لتنطلق رحلة العمل على وضع قطار سيدر وإصلاحاته على السكة الجدية. غير أن المماحكات السياسية المعتادة أغرقت الحكومة الموعودة في دهاليز التطييف وأطالت أمد تشكيل الحكومة لتسعة أشهر مطبوعة بالنكايات وتصفية الحسابات، ما عطل المسار مرارا وتكرارا. جرى كل هذا فيما كان العداد المحلي يسابق خطر الانهيار الاقتصادي الجدي، معطوفة على خشية من إنهيار العملة الوطنية  والأصوات الدولية ترتفع من مغبة السقوط اللبناني في المحظور.

كل هذا لا ينفي أن الموضوعية تقتضي الاعتراف لرئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه على رغم تعثر المفاوضات الحكومية تمكن من لمّ شمل المجلس النيابي الجديد بداعي “تشريع الضرورة”، حيث تم إقرار بعض النصوص التشريعية التي طالب بها المشاركون في مؤتمر سيدر. فكان له ما أراد. ذلك أن مجلس النواب عقد جلسة عامة في 24 و25 أيلول الفائت أقر في خلالها عددا من القوانين المطلوبة دوليا، بينها خطة إدارة النفايات الصلبة، وقروض من البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار لتحسين القطاع الصحي ومد مجارير الصرف الصحي في بعض المناطق، إضافة إلى قانون المعاملات الالكترونية وحماية كاشفي الفساد.

وإذا كان مسار التشكيل الطويل انتهى إلى ولادة الحكومة في 31 كانون الثاني، فإن مرور شهرين من عمر الفريق الوزاري الوليد من دون أي خطوات إصلاحية جدية عاد ليرفع منسوب الخطر، إلى حد دفع وزير المال إلى اقتراح اقتطاع نصف رواتب الرؤساء والوزراء والنواب، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى دق ناقوس الخطر وحض الحكومة على تحمل مسؤولياتها، لا سيما لجهة إقرار موازنة لا تخلو من الإجراءات الاصلاحية والتقشفية لعام  2019.  وعلى طريقة “”عالوعد يا كمون”!، يترصد الرئيس ماكرون مدى الاستجابة اللبنانية لكل هذه النداءات ليزور بلاد الأرز بعد طول انتظار!