كتب وليد شقير في صحيفة الحياة:
بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه أمس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موسكو أن الجيشين الروسي والسوري عثرا على جثة الجندي الإسرائيلي المفقود منذ حرب لبنان عام 1982، توالدت الأسئلة المحيطة بلغز الكشف عن جثمان أحد الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين كان تردد أنهم أُسروا أحياء، في معركة السلطان يعقوب في منطقة البقاع الغربي المحاذية للحدود مع سورية، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
فعلى رغم المحاولات الإسرائيلية لاسترداد الجنود الثلاثة في السنوات الماضية، لم تكشف دمشق عن مكان وجودهم إلا بالأمس، نتيجة طلب روسي بناء لتحرك من قبل بنيامين نتانياهو. وإذا كانت الأسئلة البديهية التي تفرضها هذه الصفقة تتعلق بالثمن الذي ستناله روسيا من وراء تلبية طلب نتانياهو، فإن أسئلة لا تقل أهمية عن مغزى الدور السوري في الكشف عن مكان دفن الجندي الإسرائيلي، والمقابل الذي سعت إليه دمشق في تلك العملية، خصوصاً أنها لم تحصل في إطار تبادل للأسرى كما حصل في آخر عملية تبادل عام 1984، وكانت تخص سورية، إذ أطلقت إسرائيل سراح 311 أسيراً سورياً مقابل ستة إسرائيليين في مدينة القنيطرة، من مخلفات معارك حرب 1973.
وإذا كانت عمليات التبادل تتم عادة في شكل معزول عن استمرار العداوة السياسية والعسكرية بين دولتين وقوتين، لأنها تشمل استرجاع أسرى من الطرفين، كما حصل عشرات المرات حتى الآن ومنذ عام 1948 بين العرب والمنظمات الفلسطينية و«حزب الله»، وإسرائيل، فإن «تسليم» جثمان أسير من دون الإفراج عن أسرى في المقابل يعني أن هذا المقابل سياسي، سواء أكان لروسيا أم لسورية في الحالة الأخيرة.
المؤكد، في إطار لعبة الأثمان السياسية بين الدول، وفي حالة تسليم جثمان السرجنت الإسرائيلي زخاري بوميل، الأميركي الجنسية، أن نتانياهو سيستفيد من العملية في الانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستجري بعد أسبوع تحديداً، إذ إن المنافسة محتدمة بينه ورئيس الأركان السابق في الجيش بني غانتس زعيم حزب «أزرق أبيض» الجديد. إنها هدية تشبه تلك التي سلّمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنتانياهو قبل أيام في واشنطن، حين أعلن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، بعدما كان أعلن ذلك وزير خارجيته جورج بومبيو من القدس المحتلة قبل أسبوعين، في ظل ميزان القوى المختل بفعل الضعف العربي والاضمحلال السوري، مهما كان رفض قمة تونس العربية قبل أربعة أيام قوياً وعالياً. موسكو تسابق واشنطن على تفضيل نتانياهو على منافسيه في اليمين المتطرف أو الأكثر تطرفاً.
كان يمكن للهدية الروسية أن تكون أقل أذية للعرب وحقوقهم في الأراضي المحتلة، لو لم تأتِ بعد الهدية الأميركية في الجولان. وقد ترمز هذه الهدية إلى المزيد من الأدلة على التقاطع في المصالح بين الكرملين والبيت الأبيض هذه الأيام في سورية، والذي يشمل الموقف من استمرار الوجود الإيراني فيها. هذا على رغم أن كثراً يعتقدون أنها هدية لإيران في الوقت نفسه، لأنها تبرر لها مواصلتها بناء بنية تحتية عسكرية في المناطق السورية الجنوبية الواقعة بمحاذاة الحدود مع الجولان، تحت شعار مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
قد يكون الثمن الروسي بالمقابل مزيداً من الانضباط الإسرائيلي في توجيه الضربات العسكرية الجوية والصاروخية ضد الوجود الإيراني في الميدان السوري، وآخرها في 28 آذار (مارس) لمستودعات أسلحة وذخائر، في ريف حلب الشمالي في العمق السوري، والتي لم تستثنِ الجيش السوري. ذلك أن مطلب موسكو الدائم من إسرائيل هو تجنب جيش النظام، بحجة أنها تعيد تنظيمه وترتيب أموره كي يلعب دوراً في مرحلة الحل السياسي عندما يحين. بذلك تكون موسكو أصابت أكثر من هدف سياسي، وسبق لبوتين أن سلّم إلى نتانياهو عام 2016 إحدى الدبابات الإسرائيلية التي كان غنم الجيش السوري خمساً منها في معركة السلطان يعقوب، بعد أن أهدتها دمشق إلى بوتين.
لكن ما المقابل السياسي لنظام دمشق طالما أن بوتين أعلن أن الجيش السوري ساعده في العثور على جثمان الجندي الإسرائيلي المدفون؟
على رغم أن لا شكوك بقدرة موسكو على الاستعانة بمن تمون عليهم من الجيش السوري لإتمام العملية، فإنها ليست المرة الأولى التي يرسل فيها النظام السوري الإشارات الإيجابية إلى إسرائيل، وتحديداً عبر موسكو. سبق للأخيرة أن أسرّت إلى أصدقاء لها بأن «النظام» طلب إليها استمزاج رأي الجانب الإسرائيلي (عام 2015) حول إمكان سيطرته على مناطق محاذية للحدود معها، مقابل الاطمئنان إلى أمنها. في الحلقة الضيقة الحاكمة في عاصمة الأمويين من يعتقد أن الضمانات الأمنية لإسرائيل عنصر مساعد على التخفيف من غلواء الموقف الأميركي ضد بشار الأسد. فهل أن تسليف نتانياهو جثمان زخاري بوميل، يرمي إلى تشجيع إسرائيل على إقناع واشنطن بتخفيف الحصار الأميركي المتصاعد، المضروب على الأسد، والإقلاع عن الإصرار على حل سياسي انتقالي وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254؟