كتبت إيلده الغصين في “الاخبار”:
بعد 12 سنة من العمل على «القضيّة»، تحاول المحامية نايلة جعجع «إعادة تصويب النقاش» حول موضوع الزواج المدني الذي أُعيد فتحه أخيراً. الإشكاليّة ليست «مع الزواج المدني أو ضدّه»، إذ «لا يمكن أن نكون مع الدستور أو ضده، والذي يكفل الزواج والأحوال الشخصية من خارج الطوائف التاريخية المعترف بها». تصحيح الاعتقادات الخاطئة بقراءة الدستور والقوانين، هو هدف الندوة التي عقدتها عضو «بيروت مدينتي» بعنوان «الحق في الزواج المدني في لبنان: بين القانون والممارسة»، في الجامعة الأميركية في بيروت الاربعاء الماضي.
جعجع تطرّقت إلى «الترويج السياسي للانتماء الطائفي على أنه جزء من المواطنة، حيث تنتقل طائفة الأب إلى المولود لدى مأمور النفوس منذ ولادته، بينما يفترض أن تنعكس القاعدة ليكون بإمكان المواطن ببلوغه سنّ الـ18 تسجيل مذهبه بنفسه».
بحسب الناشطة الحقوقية، فإن الممارسات الحاليّة بعيدة كلّ البعد عن جوهر الدستور اللبناني وتقدّمية القوانين اللبنانية بالاعتراف بحريّة الاعتقاد المطلقة منذ القرن الماضي، خصوصاً القرار الرقم 60 ل.ر. العائد لعام 1936، الذي تنصّ المادة 10 منه (معدّلة وفقاً للقرار 146/1938) على أن «يخضع اللبنانيون (والسوريون) المنتمون إلى الطوائف المعترف بها لنظام طوائفهم الشرعي في الأمور المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة»، وتكرّس في الوقت عينه «خضوع اللبنانيين المنتمين إلى طائفة تابعة للحق العادي واللبنانيين الذين لا ينتمون لطائفة ما، للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية».
أهميّة هذه المادة تكمن، برأي جعجع، في «أنها تعترف بحق غير المنتمين إلى الطوائف الـ18 في الخضوع للقانون المدني في الأحوال الشخصية، وعليه، لدينا حريّة مطلقة في الاعتقاد يكرّسها القانون، لكنّ الممارسة تختلف». هذه الحريّة تكفلها المادة 9 من الدستور، وتعني ضمناً «كفالة الحريّة المطلقة بعدم الاعتقاد». إلى أهميّة أن تكون الأحوال الشخصية بيد الدولة بدلاً من الطوائف، فإن التعليم حقّ آخر يخضع لسيطرة الطوائف، خلافاً للمادة 10 من الدستور التي تكفل الحق في التعليم الحرّ ما لم يخلّ بالنظام العام، وهي تعني «أن التعليم الحرّ غير المتعلّق بالطوائف مكفول في الدستور، بينما تبيّن الممارسة العكس».
حرية اختيار شكل العلاقة مع الدولة من دون المرور بالطوائف مكفولة في الدستور، وهي تسري أيضاً على الحق في الزواج المدني الذي «لا يحتاج إلى قانون لتكريسه أو الاعتراف به». الحاجة، وفق جعجع، تتمثّل في «ضرورة تنظيم عقود الزيجات المدنية وإيجاد تشريعات ترعاها»، وهذا ليس مطلباً بل «شرط أساسي لتستعيد دولة القانون سيادتها على أراضيها، وكي لا يبقى القضاة المدنيّون يصدرون أحكاماً باسم الشعب اللبناني من خلال تطبيق قانون أجنبي كالقانون القبرصي… وهو انفصام قانوني تحكمه ازدواجية المعايير». لبنان «ليس دولة دينيّة ولا طائفيّة… لكن هل نحن دولة علمانيّة؟» سألت جعجع، مجيبة «لسنا دولة علمانية، لأننا لا نجبر المواطنين على الزواج المدني بعد الزواج الديني كما يحدث في البلدان العلمانية، وهذا يعني أننا نعترف بتعدّدية الأشخاص وخصوصيّاتهم. ونحن في ذلك متقدّمون على البلدان العلمانيّة». النموذج اللبناني تشبّهه جعجع بـ«السيستم السويسري، مع فارق بسيط أن الطوائف اللبنانية التي يحترمها الدستور هي جماعات لغوية متعدّدة في سويسرا».
أكثر من 21 مشروع قانون قدمت منذ الخمسينيات حول الزواج المدني، إلا أن أول ثنائيّ أقدم على الزواج المدني في لبنان في 2014 اضطرّ إلى «اللجوء إلى السويد تحت الضغط الذي مورس عليه». الثنائي خلود ونضال اللذان كان زواجهما فاتحة عقد الزيجات المدنيّة في لبنان، ارتكز على شرط شطبهما الإشارة إلى القيد الطائفي في سجلات نفوسَيهما، حيث استندت وثيقة زواجهما إلى أحكام القرار 60 ل.ر. المدنية في مادته الـ10 والمادة 17 «وهي الأحكام التي تطابق ما ينصّ عليه القانون المدني الفرنسي ولا تخالف الدستور اللبناني أو أنظمة الأحوال الشخصيّة أو النظام العام أو الآداب الحميدة التي تطبّقها المحاكم المدنيّة».
هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل قدّمت عام 2007 رأيها الإيجابي بشأن «قانونية شطب القيد الطائفي». وبرأي جعجع، فإن «تصحيح العلاقة مع الدولة يبدأ بشطب المذهب، لكن من أقدموا على شطب قيدهم الطائفي تعرّضوا لمحاولات وضعهم ضمن طائفة جديدة لتكون أقليّة الأقليّات أو اعتبار خطوتهم رمزيّة بلا جدوى، علماً بأنها في العمق تطبيق للدستور».
لكن الدستور والقوانين والآراء الاستشارية لأعلى سلطات قضائية وجرأة عدد من الوزراء السابقين، لم تمنع الوزير السابق نهاد المشنوق من «عدم توقيع تسجيل عقود الزواج المدني الـ52 التي تمّت في لبنان، إذ لا تزال بعض الدعاوى بشأنها قائمة أمام القضاء، فيما اضطر بعض المتزوجين إلى العودة إلى طوائفهم لتسجيل زيجاتهم»، وفق جعجع، فيما حديث الوزيرة الجديدة ريا الحسن عن رأيها في الزواج المدني «لا يعني بالضرورة قدرتها على إحراز تقدّم إيجابي بشأن الاعتراف بهذه الزيجات».