Site icon IMLebanon

سيناريوهات المديونية والإفلاس… ماذا بعد؟

كتبت البروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:

الاضطراب السياسي و تباطؤ النموّ الاقتصادي يثير أسئلة كثيرة حول كيفية معالجة الأمور لتجنيب لبنان خطر الإفلاس في ظروف مقلقة للغاية، يزيدها توتراً الاستقرار في سوريا والتوتر بين إسرائيل و”حزب الله” ومخاطر الديون السيادية والتي ارتفعت 280 نقطة خلال العام الماضي الأمر الذي يجعلنا في وضعية خطرة للغاية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا يعني أن يصبح الدين كبيراً جداً وفي اي وقت يصبح مشكلة وكيف تحدّد مقدار المديونية؟ هل هي بالقيمة المطلقة ام بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي ام انها شيء آخر ربما؟

الجواب على هذا السؤال صعب جدا لا سيما واذا ما قارنت بين الدول ووضعيتها، وعلى سبيل المثال فإنّ الولايات المتحدة لديها نسبه دين الى الناتج المحلي الاجمالي 105 بالمئة ولديك اليابان حيث تصل هذه النسبة الى 200 بالمئة من الناتج المحلي ولديك دول اخرى في أميركا اللاتينية حيث تبلغ نسبة الديون الى الناتج 40 بالمئة، ولكنّ وضعيتها غير مستقرة والجميع خائف من هذه البلدان، بينما الوضعية مختلفة مع الولايات المتحدة واليابان ولا أحد يخاف من وضعية هاتين الدولتين وإن هي لا تستطيع إيفاء ديونها. لذلك قد تكون الامور المتعلقة اكثر بوضعية الدول واستقرارها الاقتصادي والسياسي والمالي أكثر من كونه امراً يتعلق بنسبة مئوية، لذلك لا يمكن المقارنة بين اليابان على سبيل المثال مع اليونان او في حالتنا هذه مع لبنان. من حيث النسبة المئوية نحن ثالث دولة مديونة في العالم اما من حيث الاستقرار السياسي والاقتصادي فوضعيتنا مختلفة تماماً الامر الذي يزيد الأمور سوءاً ويجعلنا نسال ان ما وصلنا الى نقطة الخطر وكيفية معالجتها، وهل انّ لبنان يواجه الافلاس كما هي الحال في دول اميركا اللاتينية في التسعينات عندما توقفت حكوماتها عن دفع ديونها.

ولكن ينبغي تحديد ما يعني الإفلاس ولماذا يشكل خطراً على البلد. الإفلاس مصطلح يعني انّ البلد الافتراضي يتوقف عن دفع اصل الدين او خدمات الدين، وفي تعريف اوسع نطاقاً تشمل الافتراضية اعادة التفاوض على شروط الديون وهيكلتها- لذا وعلى سبيل المثال اذا ما اصدرت الدولة سندات وهي تعلم انها غير قادرة على دفعها اوانها تمدّد اجل استحقاقها أو تغيير سعر الفائدة، والاكيد انّ اسعار الفوائد ستكون اكبر يعني ان الدولة اصبحت بحالة إفلاس- وهنا يجب التوضيح انّ إعادة هيكلة الديون تصبح صعبة جدا في وضعية بلد بات على شفير الهاوية ولا يمكنه إصدار سندات جديدة او إعادة هيكلة ديون مستحقة.

والامر قد لا يكون خطراً بما معناه انهيار إنما سمعة الدولة تبقى على المحك لاسيما وأنه من غير المستحب أن نكون في وضعية عجز عن دفع أصل الدين او خدمته، خصوصاً إذا كنا نعلم ديناميكية اللعبة- وإذا ما تخلّفت الدولة عن دفع ديونها هذا يعني انّ الاسواق العالمية والمحلية اصبحت مقفلة عليها او انها في حال ارادت الاستدانة مجدداً سوف تدفع خدمة الدين أكبر. والامر الاهم قد يكون هو العلاقة بين الدولة والمصارف، وتُعتبر هذه من اهم العوامل التي قد تحدّد نتائج إعادة هيكله للديون- وفي ظلّ استمرار غياب تحسينات هامة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية ومع احتمال حدوث ازمات مالية الامر الذي يزيد من افتراضية الإفلاس. اضف الى ذلك وضعية البنك المركزي، ومحاولاته استيعاب عبء الدين من خلال اللجوء المتكرر للهندسة المالية لم تعد عملية ممنكة ولن تعوّض عن غياب التخطيط الاقتصادي والاصلاحات الهيكلية ومحاربة الفساد. هذا وفرضية الإفلاس واردة ما لم تحدث تغييرات جذرية من اجل استيعاب العجز المزدوج في الموازنة (ميزان التجاري والعجز المالي)- وهنا لا بد من القول إنّ أحد الامور التي ساعدتنا في البقاء في وضعية محمية هي التحويلات المالية من دول الخليج، وهي الآن على تراجع مع انخفاض ايرادات النفط وعدم الاستقرار الاقليمي والحرب الدائرة في سوريا والتي ادّت الى تراجع هام في النموّ اللبناني.

أما مخاطر الائتمان فتزايدت وتبيّن ذلك من خلال ارتفاع اسعار الفوائد والفروقات بين هذه الاسعار والاسعار العالمية كذلك التصنيف الائتماني من قبل شركات التصنيف العالمية. وثمّة مؤشرات اخرى تقوم بها الشركات مثل مؤشر المستثمرين وكلها امور تشير الى خطورة وضعية الدولة من حيث الثقة والاستدانة وإمكانية دفع الديون والفوائد المترتّبة عنها.

وقد يتساءلون ماذا يحدث في سيناريو الإفلاس هذا؟ اول الامور هو انّ الدولة لم يعد باستطاعتها الاستدانة لا محلياً ولا عالمياً ويعني انّ حسابك الجاري سلبي ويتوافق ذلك مع استيراد كبير مقارنة بالتصدير، وعند الأزمة يتراجع الاستيراد كثيراً وتزيد الصادرات (حسب سيناريو متفائل) وذلك قد يعني زيادة إيجابية في الحساب الجاري – لذلك في أزمات الديون السيادية نرى ليس فقط تراجعاً في الاستيراد والاستهلاك انما ايضاً ارتداداً في تدفق رؤوس الاموال التي تسمى التدفقات المفاجئة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة وفي ظلّ غياب تسهيلات للدولة لا سيما إعادة هيكلة الديون كونها مفلسة فعادة ما تعود الدول الى صندوق النقد الدولي والذي يفرض إملاءاته على هذه الدول لا سيما من ناحية الخصخصة والضريبة على القيمة المضافة وترشيق القطاع العام وغيرها من الأمور التي وردت في ورقة ماكينزي ولم تكن لتعلمنا بالشيء الجديد انما اعادت الى الاذهان ورقة يفرضها صندوق النقد الدولي على جميع تلك الدول التي هي في حال مشابهة. اضف الى ذلك انه قد يفرض تغيير سعر العملة وهذا ليس بالأمر السيئ من كل النواحي انما يثير موجة الذعر في البلاد نحن في غنى عنها. ولكن صندوق النقد الدولي يتدخل عموماً في حالات دول مقترضة لجأت الى الاسواق العالمية -اما في حالة لبنان هذه وطالما انّ معظم ديوننا محلية فقد يكون الاهم ديناميكية العمل بين الدولة والمصارف واستعداد هذه الأخيرة لإقراض الدولة مجدداً علماً انّ الفوائد مرتفعة ولا يمكن في ايّ حال اعادة هيكلتها وفي ظل انعدام رؤية مستقبلية شاملة.

لذلك وعندما لا تفي الحكومة بالتزامات الديون القائمة يصبح من الصعب الوصول الى اموال جديدة، ومواكبة العمليات اليومية للحكومات تحتاج الاستمرار والحصول على الائتمان، لذلك يمكن تلخيص وضعنا بالتالي: ليست هفوة وزير المالية ولا هي إمكانيات حاكم المركزي انما هو شلل طبيعي في اقتصاد أصبح فيه الجميع رهن تحدّيات يجب تحقيقها والّا أصبحنا في عداد الدولة المفلسة وشطب الديون يعني فيما يعني تخلّي المصارف عن استحقاقاتها، وهذا غير وارد والاكيد في هذه القضية اننا أصبحنا نحتاج الى المصارف لتساعدنا في اعادة هيكلة ديوننا او في إعطائنا قروضاً بفوائد منخفضة تساعد الاقتصاد في الخروج من غيبوبته.