كتبت ليا القزي في “الاخبار”:
«شوفي السيارات. كلّ سيارة فيها شخص واحد»، صرخ سائق التاكسي الذي كان وحده، للسائقة التي كانت وحدها أيضاً في السيارة على يمينه. غياب نظام نقل عام مشترك، يربط بين البلدات والعاصمة، فرض على اللبنانيين أن تُصبح السيارات الخصوصية وسيلتهم الوحيدة للتنقل وحوّلت البلد موقف سيارات ضخماً. أما من لا يملك سيارة، فمحكومٌ عليه بـ«البهدلة» في باصات وفانات لا تتقيد بأدنى معايير السلامة.
استقالة الدولة من واجباتها تركت الساحة أمام أصحاب المبادرات الخاصة. مشروع «We Go Together» في جبيل، آخر هذه المبادرات. اليوم، يطلق وزير الأشغال يوسف فنيانوس «مشروع النقل المشترك النموذجي في قضاء جبيل» (كما ورد على بطاقة الدعوة). في الخبر الموزّع، جاء أنّ النائب زياد حواط «يُطلق» و«يدعو» إلى حضور الاحتفال، ما أوحى بأنّه صاحب المبادرة، خصوصاً أنّه أعلن أمام عددٍ من الجُبيليين في كانون الأول الماضي أنّ «مشروع النقل المشترك لقضاء جبيل انطلق وسيُبصر النور أوائل حزيران المقبل». يُدرك حواط جيّدا أهمية المشروع لذا كان مفهوماً أن يُبادر إلى تبنّيه. لكنّه لم يكن دقيقاً في كلامه. فالمشروع بدأت العمل عليه شركة «Connex»، قبل خمس سنوات، يوم كان حواط لا يزال رئيساً لبلدية المدينة. أنجزت الشركة الدراسات، وأمّنت التمويل، ونسّقت مع اتحاد بلديات جبيل ووزارة الأشغال. وساعد حواط في التواصل مع بلديات القضاء للحصول على موافقاتها لوضع محطات وقوف في نطاقها، وفي تذليل عقبات أخرى. فيما لم يُبد التيار الوطني الحرّ حماسة للمشروع الذي عُرض على «التيار» بدايةً. لماذا؟ لأنّه، بحسب المعلومات، لم تكن المسودة الأولوية للمشروع والفائدة الاقتصادية منه «مدروسة بشكل وافٍ».
المدير العام لشركة «BCD Capital» المستشار المالي لـ«WeGo»، إيلي حداد، يؤكّد أنّ المشروع «مبادرة خاصة – الاستثمار والدراسات والتراخيص – لخدمة عامة». استأجرت «Connex» قطعة أرض من بلدية جبيل، حيث ستُنشأ المحطة الرئيسية، «والتعاون مع البلدية شمل توفير الدعم والتنسيق مع بقية البلديات وتلّقي المساعدات أو القروض الأوروبية التي قد تصل إلى WeGo، من دون أن تكون البلدية واحدة من المستثمرين».
يوضح المدير العام لـ«Connex» هنري أبو عبيد أنّ الفكرة «وُلدت سنة 2014، بهدف تطوير مستوى النقل المشترك في لبنان. أجرينا إحصاءً، فوجدنا أنّ 62% من ركّاب الباصات، هم من العمّال السوريين. يعني ذلك، أنّ اللبنانيين لا يستقلون النقل المشترك». إحجام الناس عن استخدام الباصات، يعود إلى سببين، «نوعية وسائل النقل، وقلّة المعلومات المتوافرة حولها: توقيت الوصول والمغادرة، محطات الانتظار…». فقرّرت «Connex» خلق خدمة جديدة، وجذب فئة جديدة من العملاء. يقول أبو عبيد: «نريد فقط إدخال باصات جديدة إلى السوق، بل دفع الناس إلى التخلّي عن سياراتهم الخصوصية».
المحطة الرئيسية ستكون على الدوار الرئيسي في المدينة، ومنها تتفرّع سبعة خطوط تُغطّي بلدات القضاء، وخطّ واحد إلى بيروت. لماذا وقع الاختيار على مدينة جبيل؟ هناك خمسة أسباب، كما ورد في الدراسة التي وضعتها «WeGo»: مدينة رائدة في الحلول الحضرية المبتكرة والشاملة، تعمل على تحسين خدمات النظام البيئي، مسالمة وتعزز التماسك الاجتماعي والتنوع الثقافي، مدينة ثقافية تحمي التقاليد والهوية المحلية، اقتصادها مُزدهر ولديها موارد ثقافية وبشرية قيّمة. يُضيف أبو عبيد الى ذلك أنّ موقع القضاء في الوسط بين الشمال والجنوب والكثافة السكانية فيه «يُبرّران وجود نظام نقل».
اختيار الخطوط السبعة «تمّ بناءً على دراسات ميدانية»، بحسب حداد، لتكون النتيجة مشروعاً بقيمة 6 ملايين دولار، يتضمن 90 محطة وقوف، و40 باصاً مُجهزة بكاميرات مراقبة وانترنت، تتفاوت تعرفة النقل عبرها بين 3000 و5000 ليرة، تسير طيلة ساعات النهار، وتؤمّن نحو 120 وظيفة، «ونريد أن تكون الأولوية في التوظيف لأبناء القضاء»، وفق أبو عبيد.
ألا يعني ذلك احتكار قطاع النقل في المنطقة ومنافسة أصحاب الباصات الذين لا يملكون مورداً اقتصادياً آخر؟ يؤكد أبو عبيد أن هناك بلدات عدّة لا تمرّ باصات «WeGo» بها، ويشدد على أن «لا خصوصية لأحد في النمرة الحمراء. نحن نخلق شبكة جديدة، محاولين إقناع فئة أخرى باستخدام النقل المشترك»، لافتاً الى انه يمكن أي سائق مركبة عمومية أن ينضم إلى الشبكة.
يدخل المشروع حيّز التنفيذ قبل نهاية 2019، «على أن نبدأ العمل في 2022 على مشروع نقل مشترك لقضاء كسروان، وفي 2024 لقضاء المتن». يقول أبو عبيد إنّ كلفة المشاريع الثلاثة (جبيل – كسروان – المتن)، «ستبلغ 32 مليون دولار». يعمل المسؤولون في «WeGo» على تأهيل البنى التحتية وشبكات النقل في الأقضية الثلاثة، بطريقة تسمح لهم بأن يتحولوا بعد سنوات إلى «المُرشحين الأوائل الذين يملكون القوة الإدارية والمالية، للاستثمار في هذا النوع من المشاريع»، بحسب حداد. والهدف هو الفوز بعقد تشغيل مشروع «BRT» (الباصات المحددة المسار)، الممول من البنك الدولي بهبة تبلغ نحو 280 مليون دولار، والذي يربط المناطق اللبنانية ببعضها البعض عبر باصات سريعة.